﴿ أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ﴾ إنكارٌ ونفيٌ لعدمِ إحاطةِ علمِهِ تعالَى بالمُضمرِ والمُظهرِ، أي ألا يعلمُ السرَّ والجهرَ من أوجدَ بموجبِ حكمتِهِ جميعَ الأشياءِ التي هُمَا من جُملَتِهَا. وقولُهُ تعالَى :﴿ وَهُوَ اللطيف الخبير ﴾ حالٌ من فاعلِ يعلمُ مؤكدةٌ للإنكارِ والنَّفيِ، أي ألا يعلمُ ذلكَ والحالُ أنَّه المتوصلُ علمُهُ إلى ما ظهرَ من خلقِهِ وما بطنَ، ويجوزُ أنْ يكونَ مَنْ خَلَقَ منصوباً، والمَعْنَى ألا يعلمُ الله مَنْ خلقَهُ والحالُ أنَّهُ بهذِهِ المثابةِ من شمولِ العلمِ، ولا مساغَ لإخلاءِ العلم عن المفعولِ بإجرائِهِ مَجْرَى يُعْطِي ويمنعُ على مَعْنَى ألا يكونُ عالِماً مَنْ خلقَ لأنَّ الخلقَ لا يتأتَّى بدونِ العلمِ لخلوِّ الحالِ حينئذٍ من الإفادةِ لأنَّ نظمَ الكلامِ حينئدٍ ألا يكونُ عالماً وهو مبالغٌ في العلمِ.
﴿ هُوَ الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض ذَلُولاً ﴾
لينةً يسهلُ عليكُم السلوكُ فيها، وتقديمُ لكُم على مفعُولَي الجعلِ معَ أنَّ حقَّهُ التأخرُ عنهُما للاهتمامِ بِما قُدمَ والتشويقِ إلى ما أُخرَ فإنَّ ما حقَّه التقديمُ إذا أُخرَ لا سيَّما عند كونِ المقدمِ ممَّا يدلُّ على كونِ المؤخرِ من منافعِ المخاطبينَ تبقَى النفسُ مترقبةً لورودِهِ فيتمكنُ لديها عندَ ذكرِهِ فضلُ تمكنٍ. والفاءُ في قولِه تعالَى :﴿ فامشوا فِى مَنَاكِبِهَا ﴾ لترتيبِ الأمرِ على الجعلِ المذكورِ أي فاسلكُوا في جوانِبِهَا أو جِبَالِهَا، وهو مَثَلٌ لفرطِ التذليلِ فإن منكبَ البعيرِ أرقُّ أعضائِهِ وأنباها عن أنْ يطأَهُ الراكبُ بقدمِهِ فإذا جُعل الأرضُ في الذُّلِّ بحيثُ يتأتَّى المشيُ في مناكبِهَا لم يبقَ منها شيءٌ لم يتذللْ. ﴿ وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ ﴾ والتمسُوا من نعمِ الله تعالَى :﴿ وَإِلَيْهِ النشور ﴾ أي المرجعُ بعدَ البعثِ لا إلى غيرِه فبالِغُوا في شكرِ نعمِهِ وآلائِهِ.