وقال ابن عاشور :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ (١٢) ﴾
اعتراض يفيد استئنافاً بيانياً جاء على سنن أساليب القرآن من تعقيب الرهبة بالرغبة، فلما ذكر ما أعد للكافرين المعرضين عن خشية الله أعقبه بما أعد للذين يخشون ربهم بالغيب من المغفرة والثواب للعلم بأنهم يترقبون ما يميزهم عن أحوال المشركين.
وقدم المغفرة تطميناً لقلوبهم لأنهم يخشون المؤاخذة على ما فرط منهم من الكفر قبل الإسلام ومن اللمم ونحوه، ثم أعقبت بالبشارة بالأجر العظيم، فكان الكلام جارياً على قانون تقديم التخلية على التحْلية، أو تقديم دفع الضر على جلب النفع، والوصف بالكبير بمعنى العظيم نظير ما تقدم آنفاً في قوله :﴿ إن أنتم إلاّ في ضلال كبير ﴾ [ الملك : ٩ ].
وتنكير ﴿ مغفرة ﴾ للتعظيم بقرينة مقارنته بـ ﴿ أجر كبير ﴾ وبقرينة التقديم.
وتقديم المسند على المسند إليه في جملة ﴿ لهم مغفرة ﴾ ليتأتى تنكير المبتدأ، ولإِفادة الاهتمام، وللرعاية على الفاصلة وهي نُكت كثيرة.
وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (١٣)
عطف على الجمل السابقة عطف غرض على غرض، وهو انتقال إلى غرض آخر لِمناسبة حكاية أقوالهم في الآخرة بذكر أقوالهم في الدنيا وهي الأقوال التي كانت تصدر منهم بالنيل من رسول الله ﷺ فكان الله يطلعه على أقوالهم فيخبرهم النبي ﷺ بأنكم قلتم كذا وكذا، فقال بعضهم لبعض : أسروا قولكم كيلا يسمعه رب محمد فأنزل الله ﴿ وأسروا قولكم أو اجهروا به ﴾ كذا روي عن ابن عباس.
وصيغة الأمر في ﴿ وأسروا ﴾ و ﴿ اجهروا ﴾ مستعملة في التسوية كقوله تعالى :﴿ فاصبروا أو لا تصبروا ﴾ [ الطور : ١٦ ]، وهذا غالب أحوال صيغة افعل إذا جاءت معها ﴿ أو ﴾ عاطفة نقيض أحد الفعلين على نقيضه.


الصفحة التالية
Icon