ولكن هذا الموصول غير مَكين في باب المتشابه لأنه مجمل قابل للتأويل بما يَحتمله ﴿ من ﴾ أن يَكون مَا صْدَقُه مخلوقات ذات إدراك مقرها السماء وهي الملائكة فيصح أن تصدق ﴿ مَن ﴾ على طوائف من الملائكة الموكلين بالأمر التكويني في السماء والأرض قال تعالى :﴿ يتنزل الأمر بينهن ﴾ [ الطلاق : ١٢ ]، ويصح أن يراد باسم الموصل ملك واحد معيَّن وظيفته فعل هذا الخسف، فقد قيل : إن جبريل هو الملَك الموكّل بالعذاب.
وإسناد فعل ﴿ يخسف ﴾ إلى "الملائكة" أو إلى واحد منهم حقيقة لأنه فاعل الخسف قال تعالى حكاية عن الملائكة ﴿ قالوا إنا مهلكوا أهل هذه القرية...
إنا مُنجوك وأهلك...
إنَّا منزلون على أهل هذه القرية رجزاً من السماء ﴾
[ العنكبوت : ٣١ ٣٤ ].
وإفراد ضمير ﴿ يخسف ﴾ مراعاة للفظ ﴿ مَن ﴾ إذا أريد طائفة من الملائكة أو مراعاة للفظ والمعنى إذا كان ما صْدق ﴿ مَن ﴾ ملكاً واحداً.
والمعنى : توبيخهم على سوء معاملتهم ربهم كأنهم آمنون من أن يَأمر الله ملائكته بأن يخسفوا الأرض بالمشركين.
والخسف : انقلاب ظاهر السطح من بعض الأرض باطناً وباطنه ظاهراً وهو شدة الزلزال.
وفعل خسف يستعمل قاصراً ومتعدياً وهو من باب ضرب، وتقدم عند قوله تعالى :﴿ أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض ﴾ سورة النحل ( ٤٥ ).
والباء في قوله : بكم } للمصاحبة، أي يخسف الأرض مصاحبة لذواتكم.
وفي الجمع بين السماء والأرض محسّن الطباق.
والمصدر المُنسبك من ﴿ أن يخسف ﴾ يجوز أن يكون بدل اشتمال من اسم الموصول لأن الخسف من شأن مَن في السماء، ويجوز أن يكون منصوباً على نزع الخافض وهو مطّرد مع ﴿ أنْ ﴾، والخافض المحذوف حرف ( مِن ).


الصفحة التالية
Icon