قد يكون الإيمان بالله من الغيوب التى يعمل فيها العقل عمله، ولكن أثر هذا الغيب فى النفس أقوى من الحواس كلها لأن المرء قد يضحى بروحه استجابة لهذا الغيب، وقد يترك أشهى الملذات استجابة، لوحيه ولذلك قال الله سبحانه " إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير ". ومع الإيمان بالغيب هناك سيطرة على عالم الشهادة ومهارة فى تطويع فجاج الأرض لما ينشده المسلم من تمكين وسيادة " هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه... " ومع الأكل من هذا الرزق فمستقبل الإنسان ليس هنا.. إنه عند الله "... وإليه النشور". والآية الأولى فى هذه السورة تشير إلى أن الله بيده الملك. وقد صرحت آيات أخرى أنه بيده الفضل، وبيده الخير، وأن الأرض جميعا قبضته، وأن السموات مطويات بيمينه. إن استمكانه من ملكه - جل شأنه - لا نظير له، ويستحيل أن يقوم له معترض! ولذلك يقول للكافرين " أأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور * أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا... ". وتعبير "من في السماء" نموذج من تعابير أخرى تصف الملكوت الإلهى. فإن الله، وإن كان مستويا على عرشه فعلمه وسمعه وبصره وقيامه على كل نفس وتدبيره لكل أمر وإمساكه لكل ذرة فى السموات والأرض، تجعله جل شأنه لا يغيب عن شىء ولا يغيب عنه شىء ولذلك يقول " ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ". ويقول " ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أينما كانوا ". ويقول "وهو معكم أينما كنتم". إن شهود الله علينا لاشك فيه. ومن التطاول البحث فى كنه هذا الشهود، إننا لا نعرف كيف يحول الله اللقيمات التى نطعمها إلى عيون وآذان، فكيف نعرف كنه ذاته وقربه؟ إن الله أقرب إلينا من أنفسنا ولكنا أعجز من أن نبصر!! وحسبنا إذا علمنا ذلك أن نستنصر به ونسترزقه ونعد غيره صفرا