فصل
قال الفخر :
﴿ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (١) ﴾
أما قوله :﴿تبارك﴾ فقد فسرناه في أول سورة الفرقان، وأما قوله :﴿بِيَدِهِ الملك﴾ فاعلم أن هذه اللفظة إنما تستعمل لتأكيد كونه تعالى ملكاً ومالكاً، كما يقال : بيد فلان الأمر والنهي والحل والعقد ولا مدخل للجارحة في ذلك.
قال صاحب "الكشاف" :﴿بِيَدِهِ الملك﴾ على كل موجود، ﴿وَهُوَ على كُلّ﴾ ما لم يوجد من الممكنات ﴿قَدِيرٌ﴾، وقوله :﴿وَهُوَ على كُلّ شَىْء قَدِيرٌ﴾ فيه مسائل :
المسألة الأولى :
هذه الآية احتج بها من زعم أن المعدوم شيء، فقال قوله :﴿إِنَّ الله على كُلِّ شَىْء قَدِيرٌ﴾ يقتضي كون مقدوره شيئاً، فذلك الشيء الذي هو مقدور الله تعالى، إما أن يكون موجوداً أو معدوماً، لا جائز أن يكون موجوداً، لأنه لو كان قادراً على الموجود، لكان إما أن يكون قادراً على إيجاده وهو محال، لأن إيجاد الموجود محال، وإما أن يكون قادراً على إعدامه وهو محال، لاستحالة وقوع الإعدام بالفاعل، وذلك لأن القدرة صفة مؤثرة فلا بد لها من تأثير، والعدم نفي محض، فيستحيل جعل العدم أثر القدرة، فيستحيل وقوع الإعدام بالفاعل فثبت أن الشيء الذي هو مقدور الله ليس بموجود، فوجب أن يكون معدوماً، فلزم أن يكون ذلك المعدوم شيئاً، واحتج أصحابنا النافون لكون المعدوم شيئاً بهذه الآية فقالوا : لا شك أن الجوهر من حيث إنه جوهر شيء والسواد من حيث هو سواد شيء، والله قادر على كل شيء.