فصل
قال الفخر :
قوله تعالى :﴿أَوَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطير فَوْقَهُمْ صافات وَيَقْبِضْنَ ﴾.
﴿صَافَّات﴾ أي باسطات أجنحتهن في الجو عند طيرانها ﴿وَيَقْبِضْنَ﴾ ويضممنها إذا ضربن بها جنوبهن.
فإن قيل لم قال :﴿وَيَقْبِضْنَ﴾ ولم يقل وقابضات، قلنا : لأن الطيران في الهواء كالسباحة في الماء، والأصل في السباحة مد الأطراف وبسطها وأما القبض فطارىء على البسط للاستظهار به على التحرك، فجيء بما هو طارىء غير أصلي بلفظ الفعل على معنى أنهن صافات، ويكون منهن القبض تارة بعد تارة، كما يكون من السابح.
ثم قال تعالى :﴿ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرحمن﴾ وذلك لأنها مع ثقلها وضخامة أجسامها لم يكن بقاؤها في جو الهواء إلا بإمساك الله وحفظه، وههنا سؤالان :
السؤال الأول : هل تدل هذه الآية على أن الأفعال الاختيارية للعبد مخلوقة لله، قلنا : نعم، وذلك لأن استمساك الطير في الهواء فعل اختياري للطير.
ثم إنه تعالى قال :﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرحمن﴾ فدل هذا على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى.
السؤال الثاني : أنه تعالى قال في النحل [ ٧٩ ] :﴿أَلَمْ يَرَوْاْ إلى الطير مسخرات فِى جَوّ السمآء مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الله﴾ وقال ههنا :﴿مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ الرحمن﴾ فما الفرق ؟ قلنا : ذكر في النحل أن الطير مسخرات في جو السماء فلا جرم كان إمساكها هناك محض الإلهية، وذكر ههنا أنها صافات وقابضات، فكان إلهامها إلى كيفية البسط، والقبض على الوجه المطابق للمنفعة من رحمة الرحمن.