ثم امتنّ سبحانه على عباده، فقال :﴿ هُوَ الذى جَعَلَ لَكُمُ الأرض ذَلُولاً ﴾ أي : سهلة لينة تستقرّون عليها، ولم يجعلها خشنة بحيث يمتنع عليكم السكون فيها والمشي عليها، والذلول في الأصل هو المنقاد الذي يذلّ لك، ولا يستصعب عليك، والمصدر الذلّ، والفاء في قوله :﴿ فامشوا فِى مَنَاكِبِهَا ﴾ لترتيب الأمر بالمشي على الجعل المذكور، والأمر للإباحة.
قال مجاهد، والكلبي، ومقاتل : مناكبها طرقها وأطرافها وجوانبها.
وقال قتادة، وشهر بن حوشب : مناكبها جبالها، وأصل المنكب الجانب، ومنه منكب الرجل، ومنه الريح النكباء لأنها تأتي من جانب دون جانب ﴿ وَكُلُواْ مِن رّزْقِهِ ﴾ أي : مما رزقكم وخلقه لكم في الأرض ﴿ وَإِلَيْهِ النشور ﴾ أي : وإليه البعث من قبوركم لا إلى غيره، وفي هذا وعيد شديد.
ثم خوّف سبحانه الكفار فقال :﴿ ءامَنْتُمْ مَّن فِى السماء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرض ﴾ قال الواحدي : قال المفسرون : يعني : عقوبة من في السماء، وقيل : من في السماء قدرته، وسلطانه، وعرشه، وملائكته، وقيل : من في السماء من الملائكة، وقيل : المراد جبريل، ومعنى ﴿ أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأرض ﴾ يقلعها ملتبسة بكم، كما فعل بقارون بعد ما جعلها لكم ذلولاً تمشون في مناكبها، وقوله :﴿ أَن يَخْسِفَ ﴾ بدل اشتمال من الموصول أي : ءأمنتم خسفه، أو على حذف من أي : من أن يخسف ﴿ فَإِذَا هِىَ تَمُورُ ﴾ أي : تضطرب، وتتحرك على خلاف ما كانت عليه من السكون.
قرأ الجمهور.
﴿ ءأمنتم ﴾ بهمزتين.
وقرأ البصريون، والكوفيون بالتخفيف.
وقرأ ابن كثير بقلب الأولى واواً.


الصفحة التالية
Icon