بطريق الكافر بل أشير إليه بما دل على توعره وعدم استقامته أعني مكباً للاشعار بأن ما عليه لا يليق أن يسمى طريقا وفسر بعضهم السوي بمستوى الجهة قليل الانحراف على أن المكب المتعسف الذي ينحرف هكذا وهكذا وهو غير مناسب هنا لأن قوله تعالى على صراط مستقيم يصير كالمكرر وأفعل هنا مثله على ما في "البحر" في قولك العسل أحلى من الخل والآية على ما روى عن ابن عباس نزلت في أبي جهل عليه اللعنة وحمزة رضي الله تعالى عنه والمراد العموم كما روى عن ابن عباس أيضاً ومجاهد والضحاك وقال قتادة نزلت مخبرة عن حال الكافر والمؤمن في الآخرة فالكفار يمشون فيها على وجوههم والمؤمنون يمشون على استقامة وروى أنه قيل للنبي كيف يمشي الكافر على وجهه فقال عليه الصلاة والسلام إن الذي أمشاه في الدنيا على رجليه قادر على أن يمشيه في الآخرة على وجهه وعليه فلا تمثيل وقيل المراد بالمكب الأعمى وبالسوي البصير وذلك إما من باب الكناية أو من باب المجاز المرسل وهو لا يأبى جعله بعد تمثيلاً لمن سمعت كما هو معلوم في محله.
قُلْ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ
أي القلوب ﴿ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ أي تلك النعم كان تستعملون السمع في سماع الآيات التنزيلية على وجه الانتفاع بها والأبصار في النظر بها إلى الآيات التكوينية الشاهدة بشؤون الله عز وجل والأفئدة بالتفكر بها فيما تسمعونه وتشاهدونه ونصب قليلاً على أنه صفة مصدر مقدر أي شكراً قليلاً وما مزيدة لتأكيد التقليل والجملة حال مقدرة والقلة على ظاهرها أو بمعنى النفي إن كان الخطاب للكفرة وجوز في الجملة أن تكون مستأنفة والأول أولى.
﴿ قُلْ هُوَ الذى ذَرَأَكُمْ فِى الأرض ﴾ أي خلقكم وكثركم فيها لا غيره عز وجل ﴿ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ للجزاء لا إلى غيره سبحانه اشتركا أو استقلالاً فابنوا أمركم على ذلك. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٢٩ صـ ﴾