﴿ قُلْ هُوَ الذى أَنشَأَكُمْ ﴾ أمر سبحانه رسوله أن يخبرهم بأن الله هو الذي أنشأهم النشأة الأولى ﴿ وَجَعَلَ ﴾ لهم ﴿ السمع ﴾ ليسمعوا به ﴿ والأبصار ﴾ ليبصروا بها، ووجه إفراد السمع مع جمع الأبصار أنه مصدر يطلق على القليل والكثير، وقد قدّمنا بيان هذا في مواضع مع زيادة في البيان ﴿ والأفئدة ﴾ القلوب التي يتفكرون بها في مخلوقات الله، فذكر سبحانه ها هنا أنه قد جعل لهم ما يدركون به المسموعات والمبصرات والمعقولات إيضاحاً للحجة وقطعاً للمعذرة، وذماً لهم على عدم شكر نعم الله، ولهذا قال :﴿ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ ﴾ وانتصاب قليلاً على أنه نعت مصدر محذوف، و"ما" مزيدة للتأكيد أي : شكراً قليلاً أو زماناً قليلاً، وقيل : أراد بقلة الشكر عدم وجوده منهم.
قال مقاتل : يعني أنكم لا تشكرون رب هذه النعم فتوحدونه ﴿ قُلْ هُوَ الذى ذَرَأَكُمْ فِى الأرض وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ أمر الله رسوله ﷺ بأن يخبرهم أن الله هو الذي خلقهم في الأرض ونشرهم فيها وفرقهم على ظهرها، وأن حشرهم للجزاء إليه لا إلى غيره.
ثم ذكر سبحانه أنهم يستعجلون العذاب فقال :﴿ وَيَقُولُونَ متى هذا الوعد إِن كُنتُمْ صادقين ﴾ أي : متى هذا الوعد الذي تذكرونه لنا من الحشر والقيامة، والنار والعذاب إن كنتم صادقين في ذلك؟ والخطاب منهم للنبيّ ﷺ ولمن معه من المؤمنين، وجواب الشرط محذوف، والتقدير إن كنتم صادقين فأخبرونا به أو فبينوه لنا، وهذا منهم استهزاء وسخرية.


الصفحة التالية
Icon