ثم لما قالوا هذا القول أمر الله سبحانه رسوله ﷺ أن يجيب عليهم، فقال :﴿ قُلْ إِنَّمَا العلم عِندَ الله ﴾ أي : إن وقت قيام الساعة علمه عند الله لا يعلمه غيره، ومثله قوله :﴿ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبّي ﴾ [ الأعراف : ١٨٧ ] ثم أخبرهم أنه مبعوث للإنذار لا للإخبار بالغيب، فقال :﴿ وَإِنَّمَا أَنَاْ نَذِيرٌ مُّبِينٌ ﴾ أنذركم وأخوّفكم عاقبة كفركم، وأبين لكم ما أمرني الله ببيانه.
ثم ذكر الله سبحانه حالهم عند معاينة العذاب فقال :﴿ فَلَمَّا رَأَوْهُ زُلْفَةً ﴾ يعني : رأوا العذاب قريباً، وزلفة مصدر بمعنى الفاعل، أي : مزدلفاً، أو حال من مفعول رأوا بتقدير مضاف، أي : ذا زلفة وقرب، أو ظرف، أي : رأوه في مكان ذي زلفة.
قال مجاهد : أي : قريباً.
وقال الحسن : عياناً.
قال أكثر المفسرين : المراد عذاب يوم القيامة، وقال مجاهد : المراد عذاب بدر، وقيل : رأوا ما وعدوا به من الحشر قريباً منهم، كما يدلّ عليه قوله :﴿ وَإِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ﴾ وقيل : لما رأوا عملهم السيء قريباً ﴿ سِيئَتْ وُجُوهُ الذين كَفَرُواْ ﴾ أي : اسودّت وعلتها الكآبة وغشيتها الذلة، يقال : ساء الشيء يسوء، فهو سيء إذا قبح.
قال الزجاج : المعنى تبين فيها السوء أي : ساءهم ذلك العذاب، فظهر عليهم بسببه في وجوههم ما يدلّ على كفرهم كقوله :﴿ يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ ﴾ [ آل عمران : ١٠٦ ].
قرأ الجمهور بكسر السين بدون إشمام، وقرأ نافع، وابن عامر، والكسائي، وابن محيصن بالإشمام ﴿ وَقِيلَ هذا الذى كُنتُم بِهِ تَدَّعُونَ ﴾ أي : قيل لهم توبيخاً وتقريعاً : هذا المشاهد الحاضر من العذاب، هو العذاب الذي كنتم به تدّعون في الدنيا أي : تطلبونه وتستعجلون به استهزاءً، على أن معنى ﴿ تدّعون ﴾ الدعاء.
قال الفراء : تدّعون تفتعلون من الدعاء، أي : تتمنون وتسألون، وبهذا قال الأكثر من المفسرين.