وكان ( ﷺ ) يسمع والمؤمنون به يسمعون، ما كان يتقوله عليه المشركون، ويتطاولون به على شخصه الكريم، (ويقولون: إنه لمجنون).. ولم تكن هذه إلا واحدة من السخريات الكثيرة، التي حكاها القرآن في السور الأخرى ; والتي كانت توجه إلى شخصه ( ﷺ ) وإلى الذين آمنوا معه. وغير الأذى الذي كان يصيب الكثيرين منهم على أيدي أقربائهم الأقربين !
والسخرية والاستهزاء - مع الضعف والقلة - مؤذيان أشد الإيذاء للنفس البشرية، ولو كانت هي نفس رسول.
ومن ثم نرى في السور المكية - كسور هذا الجزء - أن الله كأنما يحتضن - سبحانه - رسوله والحفنة المؤمنة معه، ويواسيه ويسري عنه، ويثني عليه وعلى المؤمنين. ويبرز العنصر الأخلاقي الذي يتمثل في هذه الدعوة وفي نبيها الكريم. وينفي ما يقوله المتقولون عنه، ويطمئن قلوب المستضعفين بأنه هو يتولى عنهم حرب أعدائهم، ويعفيهم من التفكير في أمر هؤلاء الأعداء الأقوياء الأغنياء !
ونجد من هذا في سورة القلم مثل قوله تعالى عن النبي ( ﷺ ):
(ن. والقلم وما يسطرون. ما أنت بنعمة ربك بمجنون. وإن لك لأجرا غير ممنون. وإنك لعلى خلق عظيم)..
وقوله تعالى عن المؤمنين:
إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم. أفنجعل المسلمين كالمجرمين ؟ مالكم ؟ كيف تحكمون ؟!..
ويقول عن أحد أعداء النبي البارزين:
(ولا تطع كل حلاف مهين. هماز مشاء بنميم. مناع للخير معتد أثيم. عتل بعد ذلك زنيم. أن كان ذا مال وبنين. إذا تتلى عليه آياتنا قال: أساطير الأولين. سنسمه على الخرطوم !)..
ثم يقول عن حرب المكذبين عامة:
(فذرني ومن يكذب بهذا الحديث. سنستدرجهم من حيث لا يعلمون. وأملي لهم إن كيدي متين)..
وذلك غير عذاب الآخرة المذل للمتكبرين:
يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون. خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة. وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون..


الصفحة التالية