بلونا أهل مكة كما بلونا أصحاب الجنة، وهم قوم من أهل اليمن كان لرجل منهم زرع، ونخل، وكرم، وكان يترك للمساكين من زرعه ما أخطأه المنجل، ومن النخل ما سقط على البسط، ومن الكرم ما أخطأه القطاف. كان ذلك يرتفع إلى شىء كثير، ويعيش فيه اليتامى والأرامل والمساكين فمات الرجل، وله بنون ثلاثة ؛ فقالوا: كان أبونا يفعل ذلك، والمال كثير، والعيال قليل، فأمّا إِذ كثر العيال، وقلّ المال فإنا ندع ذلك، ثم تآمروا أن يصرموا فى سَدَف: فى ظلمة ـ باقية من الليل لئلا يبقى للمساكين شىء، فسلط الله على ما لهم نارا فأحرقته، فغَدوا على ما لهم ليصرموه، فلم يروا شيئا إلا سوادا ؛ فقالوا: "إنا لضالُّون"، ما هذا بمالنا، ثم قال بعضهم: بل هو مالنا حرمناه بما صنعنا بالأرامل والمساكين، وكانوا قد أقسموا ليصرمنها أول الصباح، ولم يستثنوا: لم يقولوا: إن شاء الله، فقال أخ لهم أوسطهم، أعدلهم قولا: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْلاَ تُسَبِّحون؟ فالتسبيح ها هنا فى معنى الاستثناء، وهو كَقوله: ﴿واذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾.
﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ وَهُمْ نَآئِمُونَ ﴾
وقوله: ﴿فَطَافَ عَلَيْهَا طَآئِفٌ مِّن رَّبِّكَ...﴾.
لا يكون الطائف إِلاَّ ليلا، ولا يكون نهاراً، وقد تكلم به العرب، فيقولون: أطفت به نهاراً وليس موضعه بالنهار، ولكنه بمنزلة قولك: لو ترك القطا ليلا لنام ؛ لأنَّ القطا لا يسرى ليلا، قال أنشدنى أبو الجراح العقيلى:
أطفت بها نهاراً غير ليلٍ * وألهى ربَّها طلبُ الرّخال
والرَّخِل: ولد الضأن إذا كان أنثى.
﴿ فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ ﴾
وقوله: ﴿فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ...﴾. كالليل المسود.
﴿ فَانطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ * أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِّسْكِينٌ ﴾
وقوله: ﴿فَانطَلَقُواْ وَهُمْ يَتَخَافَتُونَ...﴾ ﴿أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ...﴾.