وقيل المعنى : يخفون أنفسهم من الناس حتى لا يروهم، فيقصدوهم، كما كانوا يقصدون أباهم وقت الحصاد، والأوّل أولى لقوله :﴿ أَن لاَّ يَدْخُلَنَّهَا اليوم عَلَيْكُمْ مّسْكِينٌ ﴾ فإنّ "أن" هي المفسرة للتخافت المذكور لما فيه من معنى القول، والمعنى : يسرّ بعضهم إلى بعض هذا القول، وهو لا يدخل هذه الجنة اليوم عليكم مسكين، فيطلب منكم أن تعطوه منها ما كان يعطيه أبوكم.
﴿ وَغَدَوْاْ على حَرْدٍ قادرين ﴾ الحرد يكون بمعنى المنع والقصد.
قال قتادة، ومقاتل، والكلبي، والحسن، ومجاهد : الحرد هنا بمعنى القصد ؛ لأن القاصد إلى الشيء حارد.
يقال : حرد يحرد إذا قصد، تقول : حردت حردك أي : قصدت قصدك، ومنه قول الراجز :
أقبل سيل جاء من عند الله... يحرد حرد الجنة المغلة
وقال أبو عبيدة، والمبرد، والقتيبي : على حرد على منع، من قولهم : حردت الإبل حرداً : إذا قلت ألبانها، والحرود من النوق هي القليلة اللبن.
وقال السديّ، وسفيان، والشعبي ﴿ على حَرْدٍ ﴾ : على غضب، ومنه قول الشاعر :
إذا جياد الخيل جاءت تردى... مملوءة من غضب وحرد
وقول الآخر :
تساقوا على حرد دماء الأساود... ومنه قيل : أسد حارد، وروي عن قتادة، ومجاهد أيضاً أنهما قالا : على حرد أي : على حسد.
وقال الحسن أيضاً : على حاجة وفاقة.
وقيل : على حرد : على انفراد، يقال : حرد يحرد حرداً أو حروداً : إذا تنحى عن قومه، ونزل منفرداً عنهم ولم يخالطهم، وبه قال الأصمعي، وغيره.
وقال الأزهري : حرد اسم قريتهم، وقال السديّ : اسم جنتهم.
قرأ الجمهور :﴿ حرد ﴾ بسكون الراء.
وقرأ أبو العالية، وابن السميفع بفتحها، وانتصاب ﴿ قادرين ﴾ على الحال.
قال الفراء : ومعنى ﴿ قادرين ﴾ : قد قدروا أمرهم وبنوا عليه، وقال قتادة : قادرين على جنتهم عند أنفسهم.