فصل


قال الفخر :
ثم إنه تعالى ذكر بعد ذلك أحوال السعداء، فقال :
إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤)
﴿عِندَ رَبّهِمْ﴾ أي في الآخرة ﴿جنات النعيم﴾ أي جنات ليس لهم فيه إلا التنعم الخالص لا يشوبه ما ينغصه، كما يشوب جنات الدنيا، قال مقاتل : لما نزلت هذه الآية قال كفار مكة للمسلمين : إن الله تعالى فضلنا عليكم في الدنيا، فلا بد وأن يفضلنا عليكم في الآخرة، فإن لم يحصل التفضيل، فلا أقل من المساواة.
ثم إن الله تعالى أجاب عن هذا الكلام بقوله :
أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦)
ومعنى الكلام أن التسوية بين المطيع والعاصي غير جائزة، وفي الآية مسائل.
المسألة الأولى :
قال القاضي : فيه دليل واضح على أن وصف الإنسان بأنه مسلم ومجرم كالمتنافي، فالفاسق لما كان مجرماً وجب أن لا يكون مسلماً والجواب : أنه تعالى أنكر جعل المسلم مثلاً للمجرم، ولا شك أنه ليس المراد إنكار المماثلة في جميع الأمور، فإنهما يتماثلان في الجوهرية والجسمية والحدوث والحيوانية، وغيرها من الأمور الكثيرة، بل المراد إنكار استوائهما في الإسلام والجرم، أو في آثار هذين الأمرين، أو المراد إنكار أن يكون أثر إسلام المسلم مساوياً لأثر جرم المجرم عند الله، وهذا مسلم لا نزاع فيه، فمن أين يدل على أن الشخص الواحد يمتنع أن يجتمع فيه كونه مسلماً ومجرماً ؟.
المسألة الثانية :


الصفحة التالية
Icon