وقال القرطبى :
﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ (١٧)﴾
فيه ثلاث مسائل :
الأولى : قوله تعالى :﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ ﴾ يريد أهل مكة.
والابتلاء الاختبار.
والمعنى أعطيناهم أموالاً ليشكروا لا لَيْبَطروا ؛ فلما بَطِرُوا وعادَوْا محمداً ﷺ ابتليناهم بالجوع والقَحْط كما بلونا أهل الجنة المعروف خبرها عندهم.
وذلك أنها كانت بأرض اليمن بالقرب منهم على فراسخ من صنعاء ويقال بفرسخين وكانت لرجل يؤدي حق الله تعالى منها ؛ فلما مات صارت إلى ولده، فمنعوا الناس خيرها وبَخِلُوا بحقّ الله فيها ؛ فأهلكها الله من حيث لم يمكنهم دفع ما حلّ بها.
قال الكلبي : كان بينهم وبين صنعاء فرسخان ؛ ابتلاهم الله بأن أحرق جنتهم.
وقيل : هي جنة بضَوْران، وضوران على فرسخ من صنعاء، وكان أصحاب هذه الجنة بعد رفع عيسى عليه السلام بيسير وكانوا بخلاء فكانوا يَجُدّون التمر ليلاً من أجل المساكين، وكانوا أرادوا حصاد زرعها وقالوا : لا يدخلها اليوم عليكم مسكين، فغَدَوْا عليها فإذا هي قد اقتلعت من أصلها فأصبحت كالصَّرِيم ؛ أي كالليل.
ويقال أيضاً للنهار صرِيم.
فإن كان أراد الليل فِلاسوداد موضعها.
وكأنهم وجدوا موْضِعَها حَمْأة.
وإن كان أراد بالصَّريم النهار فلذهاب الشجر والزرع ونقاء الأرض منه.
وكان الطّائف الذي طاف عليها جبريل عليه السلام فاقتلعها.
فيقال : إنه طاف بها حَوْل البيت ثم وضعها حيث مدينة الطائف اليوم ؛ ولذلك سُمِّيت الطائف.
وليس في أرض الحجاز بلدة فيها الشجر والأعناب والماء غيرها.
وقال البكري في المُعْجَم : سُميِّت الطائف لأن رجلاً من الصَّدِف يقال له الدَّمُون، بنى حائطاً وقال : قد بَنَيْتُ لكم طائفاً حول بلدكم ؛ فسُمِّيت الطائف.
والله أعلم.