فكان يهادي بين رجلين إلى المسجد، فقيل له : إنك لمعذور، فقال : من سمع حي على الفلاح، فليجب ولو حبواً، وقيل لابن المسيب : إن طارقاً يريد قتلك فاجلس في بيتك، فقال : أسمع حي على الفلاح فلا أجيب؟ والله لا فعلت. وهذا كله قريب بعضه من بعض، وقوله تعالى :﴿ فذرني ومن يكذب بهذا الحديث ﴾ وعيد ولم يكن ثم مانع، ولكنه كما تقول : دعني مع فلان، أي سأعاقبه، ﴿ ومن ﴾ في موضع نصب عطفاً على الضمير في :﴿ ذرني ﴾ أو نصباً على المفعول معه، و﴿ الحديث ﴾ المشار إليه هو القرآن المخبر بهذه الغيوب، والاستدراج هو : الحمل من رتبة إلى رتبة، حتى يصير المحمول إلى شر وإنما يستعمل الاستدراج في الشر، وهو مأخوذ من الدرج، قال سفيان الثوري : نسبغ عليهم النعم، ويمنعون الشكر، وقال غيره : كلما زادوا ذنباً زادوا نعمة، وفي معنى الاستدراج قول النبي ﷺ :
" إن الله تعالى يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته " وقال الحسن : كم من مستدرج بالإحسان إليه ومغرور بالستر عليه. ﴿ وأملي لهم ﴾ معناه : أؤخرهم ملاوة من الزمن، وهي البرهة والقطعة، يقال : مُلاوة : بضم الميم وبفتحها وبكسرها، والكيد : عبارة عن العقوبة التي تحل بالكفار من حيث هي : على كيد منهم، فسمى العقوبة باسم الذنب، والمتين : القوي الذي له متانة، ومنه المتن الظهر.
أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦)


الصفحة التالية
Icon