قوله تعالى "وَما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلًا ما تُؤْمِنُونَ" ٤١ "وَلا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلًا ما تَذَكَّرُونَ" ٤٢ لأنهم لم يصموا جبريل عليه السلام بالشعر والكهانة بل وصموا محمدا بن عبد اللّه بن عبد المطلب بهما، وهو المبرأ عنهما ووصموا الحضرة الإلهية الجليلة، راجع الآية ٣٤ من سورة الأنعام المارة، ثم أكد ذلك القول الذي نسبه لحضرته بقوله "تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ" ٤٣ لم يختلقه محمد كما تقولون ولم يتعلمه من أحد وليس من أساطير الأولين بل هو وحي من اللّه منزل عليه.
واعلموا أيها الناس أن هذا هو الواقع "وَلَوْ تَقَوَّلَ" محمد أو
افترى أو اختلق من نفسه شيئا ونسبه إلينا وبهت "عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ" ٤٤ كما يقوله الكفار على فرض المحال وحاشا ساحته أن يفعل شيئا من ذلك أو يخطر بباله لأنه مشغول بنا، ما فيه شيء من دنياكم، فلا ينطق إلا عنّا ولا يتكلم إلا منّا، إذ هو معصوم من كل باطل بعصمتنا، ولو وقع منه شيء ما يخالف إرادتنا "لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ" ٤٥ وأهلكناه كما تفعل الملوك بمن يكذب عليها، وذلك بأن يؤخذ بيده وتضرب عنقه صبرا، وهذا على نوعين إذا كان أربد إيقاع القتل من قفاء وهو أهون لئلا يشاهد الفعل أخذه السياف بشماله، وإذا أريد إيقاع القتل بوجهه وهو صعب عليه أخذه السياف عن يمينه وضرب عنقه، وهذا التفسير هو المناسب للمقام.
وفسّر بعضهم اليمين بالقوة والقدرة، أي لسلبناه القوة، وعليه قول الشماخ :
إذا ما راية رفعت لمجد تلقاها عرابة باليمين