اعلم أن في الطاغية أقوالاً : الأول : أن الطاغية هي الواقعة المجاوزة للحد في الشدة والقوة، قال تعالى :﴿إِنَّا لَمَّا طغى الماء﴾ [ الحاقة : ١١ ] أي جاوز الحد، وقال :﴿مَا زَاغَ البصر وَمَا طغى﴾ [ النجم : ١٧ ] فعلى هذا القول : الطاغية نعت محذوف، واختلفوا في ذلك المحذوف، فقال بعضهم : إنها الصيحة المجاوزة في القوة والشدة للصيحات، قال تعالى :﴿إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحدة فَكَانُواْ كَهَشِيمِ المحتظر﴾ [ القمر : ٣١ ] وقال بعضهم : إنها الرجفة، وقال آخرون : إنها الصاعقة والقول الثاني : أن الطاغية ههنا الطغيان، فهي مصدر كالكاذبة والباقية والعاقبة والعافية، أي أهلكوا بطغيانهم على الله إذ كذبوا رسله وكفروا به، وهو منقول عن ابن عباس، والمتأخرون طعنوا فيه من وجهين الأول : وهو الذي قاله الزجاج : أنه لما ذكر في الجملة الثانية نوع الشيء الذي وقع به العذاب، وهو قوله تعالى :﴿بِرِيحٍ صَرْصَرٍ﴾ [ الحاقة : ٦ ] وجب أن يكون الحال في الجملة الأولى كذلك حتى تكون المناسبة حاصلة والثاني : وهو الذي قاله القاضي : وهو أنه لو كان المراد ما قالوه، لكان من حق الكلام أن يقال : أهلكوا لها ولأجلها والقول الثالث :﴿بالطاغية﴾ أي بالفرقة التي طغت من جملة ثمود، فتآمروا بعقر الناقة فعقروها، أي أهلكوا بشؤم فرقتهم الطاغية، ويجوز أن يكون المراد بالطاغية ذلك الرجل الواحد الذي أقدم على عقر الناقة وأهلك الجميع، لأنهم رضوا بفعله وقيل له طاغية، كما يقول : فلان راوية الشعر، وداهية وعلامة ونسابة.
وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ (٦)