فإن قلت فقوله إنا أنزلناه فى ليلة القدر من جملة القرآن الذى نزل جملة أم لا فإن لم يكن منه فما نزل جملة وإن كان منه فما وجه صحة هذه العبارة قلت ذكر فيه وجهين أحدهما أن يكون معنى الكلام ما حكمنا بإنزاله فى القدر وقضائه وقدرناه فى الأزل ونحو ذلك والثانى أن لفظه لفظ الماضى ومعناه الاستقبال أى ينزل جملة فى ليلة مباركة هى ليلة القدر واختير لفظ الماضى إما لتحققه وكونه لا بد منه وإما لأنه حال اتصاله بالمنزل عليه يكون المضى فى معناه محققا لأن نزوله منجما كان بعد نزوله جملة فإن قلت ما السر فى نزوله إلى الأرض منجما وهلا نزل جملة كسائر الكتب قلت هذا سؤال قد تولى الله سبحانه جوابه فقال تعالى وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة يعنون كما أنزل على من قبله من الرسل فأجابهم الله بقوله كذلك أى أنزلناه كذلك مفرقا لنثبت به فؤادك أى لنقوى به قلبك فإن الوحى إذا كان يتجدد فى كل حادثة كان أقوى للقلب وأشد عناية بالمرسل إليه ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك إليه وتجديد العهد به وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجانب العزيز فحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة ولهذا كان أجود ما يكون فى رمضان لكثرة نزول جبريل عليه السلام
وقيل معنى لنثبت به فؤادك لنحفظه فإنه عليه السلام كان اميا لا يقرأ ولا يكتب ففرق عليه لييسر عليه حفظه بخلاف غيره من الأنبياء فإنه كان كاتبا قارئا فيمكنه حفظ الجميع إذا نزل جملة
فإن قلت كان فى القدرة إذا نزل جملة أن يحفظه النبى ﷺ دفعة
قلت ليس كل ممكن لازم الوقوع وأيضا فى القرآن أجوبة عن أسئلة فهو سبب من أسباب تفرق النزول ولأن بعضه منسوخ وبعضه ناسخ ولا يتأتى ذلك إلا فيما أنزل مفرقا


الصفحة التالية
Icon