قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ} لغو وهي مؤكدة، وفي قوله :﴿قَلِيلاً﴾ وجهان الأول : قال مقاتل : يعني بالقليل أنهم لا يصدقون بأن القرآن من الله، والمعنى لا يؤمنون أصلاً، والعرب يقولون : قلما يأتينا يريدون لا يأتينا الثاني : أنهم قد يؤمنون في قلوبهم، إلا أنهم يرجعون عنه سريعاً ولا يتمون الاستدلال، ألا ترى إلى قوله :﴿إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ﴾ إلا أنه في آخر الأمر قال :﴿إِنْ هذا إِلاَّ سِحْرٌ يُؤْثَرُ﴾ [ المدثر : ٢٤ ].
المسألة الثالثة :
ذكر في نفي الشاعرية ﴿قَلِيلاً مَّا تُؤْمِنُونَ﴾ وفي نفي الكاهنية ﴿مَّا تَذَكَّرُونَ﴾ والسبب فيه كأنه تعالى قال : ليس هذا القرآن قولاً من رجل شاعر، لأن هذا الوصف مباين لصنوف الشعر كلها إلا أنكم لا تؤمنون، أي لا تقصدون الإيمان، فلذلك تعرضون عن التدبر، ولو قصدتم الإيمان لعلمتم كذب قولكم : إنه شاعر، لمفارقة هذا التركيب ضروب الشعر، ولا أيضاً بقول كاهن، لأنه وارد بسبب الشياطين وشتمهم، فلا يمكن أن يكون ذلك بإلهام الشياطين، إلا أنكم لا تتذكرون كيفية نظم القرآن، واشتماله على شتم الشياطين، فلهذا السبب تقولون : إنه من باب الكهانة.
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٣)
اعلم أن نظير هذه الآية قوله في الشعراء :﴿أَنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبّ العالمين * نَزَلَ بِهِ الروح الأمين * على قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ المنذرين﴾ [ الشعراء : ١٩٢ ١٩٤ ] فهو كلام رب العالمين لأنه تنزيله، وهو قول جبريل لأنه نزل به، وهو قول محمد لأنه أنذر الخلق به، فههنا أيضاً لما قال فيما تقدم :﴿إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ﴾ [ الحاقة : ٤٠ ] أتبعه بقوله :﴿تَنزِيلٌ مّن رَّبّ العالمين﴾ حتى يزول الإشكال، وقرأ أبو السمال : تنزيلاً، أي نزل تنزيلاً. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٣٠ صـ ١٠٣ ـ ١٠٤﴾