ومفاد هذا القول من الناحية التقريرية أن محمدا ( ﷺ ) صادق فيما أبلغهم. وأنه لو تقول بعض الأقاويل التي لم يوح بها إليه، لأخذه الله فقتله على هذا النحو الذي وصفته الآيات. ولما كان هذا لم يقع فهو لا بد صادق.
هذه هي القضية من الناحية التقريرية.. ولكن المشهد المتحرك الذي ورد فيه هذا التقرير شيء آخر، يلقي ظلالا بعيدة وراء المعنى التقريري. ظلالا فيها رهبة وفيها هول. كما أن فيها حركة وفيها حياة. ووراءها إيحاءات وإيماءات وإيقاعات !
فيها حركة الأخذ باليمين وقطع الوتين. وهي حركة عنيفة هائلة مروعة حية في الوقت ذاته. ووراءها الإيحاء بقدرة الله العظيمة وعجز المخلوق البشري أمامها وضعفه.. البشر أجمعين.. كما أن وراءها الإيماء إلى جدية هذا الأمر التي لا تحتمل تسامحا ولا مجاملة لأحد كائنا من كان. ولو كان هو محمد الكريم عند الله الأثير الحبيب. ووراءها بعد هذا كله إيقاع الرهبة والهول والخشوع !
الدرس السابع: ٤٨ - ٥٢ حقائق يقينية حول القرآن
وأخيرا تجيء الخاتمة التقريرية بحقيقة هذا الأمر وطبيعته القوية:
(وإنه لتذكرة للمتقين. وإنا لنعلم أن منكم مكذبين. وإنه لحسرة على الكافرين. وإنه لحق اليقين).
فهذا القرآن يذكر القلوب التقية فتذكر. إن الحقيقة التي جاء بها كامنة فيها. فهو يثيرها فيها ويذكرها بها فتتذكرها. فأما الذين لا يتقون فقلوبهم مطموسة غافلة لا تتفتح ولا تتذكر، ولا تفيد من هذا الكتاب شيئا. وإن المتقين ليجدون فيه من الحياة والنور والمعرفة والتذكير ما لا يجده الغافلون.
(وإنا لنعلم أن منكم مكذبين).. ولكن هذا لا يؤثر في حقيقة هذا الأمر، ولا يغير من هذه الحقيقة. فأمركم أهون من أن يؤثر في حقائق الأمور.