قلت : لا يريدُ ابنُ عطيةَ بدلالةِ " تُؤْمنون " على الفعلِ المحذوفِ الدلالةَ المذكورةَ في بابِ الاشتغالِ، حتى يكونَ العاملُ الظاهر مفسِّراً للعاملِ المضمرِ، بل يريدُ مجرَّدَ الدلالةِ اللفظيةِ، فليس ما أوردَه الشيخُ عليه مِنْ تمثيلِه بقولِه :" زيداً ما أَضْرِبُه " أي : ما أضربُ زيداً ما أضربه بواردٍ.
وأمَّا الردُّ الثاني فظاهرٌ. وقد تقدَّم لابنِ عطيةَ هذا القولُ في أول سورةِ الأعراف وتكلَّمْتُ معه ثَمَّة. وقال الزمشخريُّ :" والقلَّةُ في معنى العَدَمِ أي : لا تُؤْمنون ولا تَذَكَّرون البتة ". قال الشيخ :" ولا يُرادُ ب " قليلاً " هنا النفيُ المَحْض، كما زعم، وذلك لا يكونُ إلاَّ في " أقَلَّ " نحو :" أقَلُّ رجلٍ يقولُ ذلك إلاَّ زيدٌ " وفي " قَلَّ " نحو :" قَلَّ رجلٌ يقولُ ذلك إلاَّ زيدٌ " وقد يُستعمل في قليل وقليلة، أمَّا إذا كانا مرفوعَيْنِ، نحوُ ما جَوَّزوا في قولِه :
٤٣٢٣............................ | قليلٌ بها الأصواتُ إلاَّ بُغامُها |
وقرأ ابن كثير وابن عامر بخلافٍ عن ابن ذكوان بالغَيْبة في " يؤمنون " و " يَذَّكَّرون " حَمْلاً على قولِه :" الخاطِئون "، والباقون بالخطاب حَمْلاً على " بما تُبْصِرون وما لا تُبْصرون ". وأُبَيٌّ " تتذكَّرون " بتاءين.
تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ (٤٣)