قَلَّ مَالي قد جيتُمانِي بنُكْرِ...
فهؤلاء ليس لغتهم سَال ولا يَسَالُ وبلغنا أن سَلْتَ تَسَال لغة ا ه.
فجعل إبدال الهمز ألفاً للضرورة مطرداً ولغير الضرورة يُسمع ولا يقاس عليه فتكون قراءة التخفيف سماعاً.
وذكر الطيبي عن أبي علي في الحجة : أن من قرأ ﴿ سَالَ ﴾ غير مهموز جعل الألف منقلبة عن الواو التي هي عين الكلمة مثل : قَال وخاف.
وحكى أبو عثمان عن أبي زيد أنه سمع من يقول : هما متساوِلان.
وقال في "الكشاف" : يقولون ( أي أهل الحجاز ) : سَلْتَ تَسَالُ وهما يتسَايلان، أي فهو أجوف يائي مثل هاب يهاب.
وكل هذه تلتقي في أن نطق أهل الحجاز ﴿ سال ﴾ غيرَ مهموز سماعي، وليس بقياس عندهم وأنه إمّا تخفيف للهمزة على غير قياس مطرد وهو رأي سيبويه، وإما لغة لهم في هذا الفعل وأفعال أخرى جاء هذا الفعل أجوف واوياً كما هو رأي أبي علي أو أجوف يائياً كما هو رأي الزمخشري.
وبذلك يندحض تردد أبي حيان جعل الزمخشري قراءة ﴿ سال ﴾ لغة أهل الحجاز إذ قد يكون لبعض القبائل لغتان في فعل واحد.
وإنما اجتلب هنا لغة المخفف لثقل الهمز المفتوح بتوالي حركات قبله وبعده وهي أربع فتحات، ولذلك لم يرد في القرآن مخففاً في بعض القراءات إلاّ في هذا الموضع إذ لا نظير له في توالي حركات، وإلاّ فإنه لم يقرأ أحد بالتخفيف في قوله :﴿ وإذا سَألك عبادي ﴾ [ البقرة : ١٨٦ ] وهو يساوي ﴿ سال سائل بعذاب ﴾ بله قوله : سالتهم وتسالهم ولا يسالون.
وقوله :﴿ سال سائل ﴾ بمنزلة سُئل لأن مجيء فاعل الفعل اسمَ فاعل من لفظ فعله لا يفيد زيادة علم بفاعل الفعل ما هو، فالعدول عن أن يقول : سُئِل بعذاب إلى قوله ﴿ سال سائل بعذاب ﴾، لزيادة تصوير هذا السؤال العجيب، ومثله قول يزيد بن عمرو بن خويلد يهاجي النابغة :
وإن الغدْر قد عَلِمت معدٌّ
بنَاه في بني ذُبيان بَانِي...