وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ يَوْمَ تَكُونُ السمآء كالمهل ﴾
العامل في "يَوْمَ" "واقع" ؛ تقديره يقع بهم العذاب يوم.
وقيل :"نَرَاهُ" أو "يُبَصَّرونهم" أو يكون بدلاً من قريب.
والْمُهْلُ : دُرْدِيّ الزيت وَعَكرُه ؛ في قول ابن عباس وغيره.
وقال ابن مسعود : ما أذيب من الرَّصاص والنُّحاص والفضّة.
وقال مجاهد :"كَالْمُهْلِ" كقيح من دم وصديد.
وقد مضى في سورة "الدخان"، و "الكهف" القول فيه.
﴿ وَتَكُونُ الجبال كالعهن ﴾ أي كالصُّوف المصبوغ.
ولا يقال للصوف عِهْن إلا أن يكون مصبوغاً.
وقال الحسن :﴿ وَتَكُونُ الجبال كالعهن ﴾ وهو الصوف الأحمر، وهو أضعف الصوف.
ومنه قول زُهير :
كأن فُتات العِهنِ في كل منزل...
نزلن به حَبُّ الفَنَا لم يُحَطَّمِ
الفُتاتُ القِطَع.
والعِهْنُ الصوفُ الأحمر ؛ واحده عِهْنة.
وقيل : العهْنُ الصوف ذو الألوان ؛ فشبّه الجبال به في تَلَوُّنها ألواناً.
والمعنى : أنها تلين بعد الشدّة، وتتفرق بعد الاجتماع.
وقيل : أوّل ما تتغير الجبال تصير رَمْلاً مَهِيلاً، ثم عِهْناً منفوشاً، ثم هَباءً مُنْبثاً.
﴿ وَلاَ يَسْأَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً ﴾ أي عن شأنه لشغل كل إنسان بنفسه، قاله قتادة.
كما قال تعالى :﴿ لِكُلِّ امرىء مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [ عبس : ٣٧ ].
وقيل : لا يسأل حميم عن حميم، فحذف الجار ووصل الفعل.
وقراءة العامة "يسأل" بفتح الياء.
وقرأ شيبة والبَزِّي عن عاصم "ولا يُسأل" بالضم على ما لم يسم فاعله، أي لا يُسأل حميم عن حميمه ولا ذو قرابة عن قرابته، بل كل إنسان يسأل عن عمله.
نظيره :﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [ المدثر : ٣٨ ].
قوله تعالى :﴿ يُبَصَّرُونَهُمْ ﴾ أي يرونهم.
وليس في القيامة مخلوق إلا وهو نصب عين صاحبه من الجن والإنس.
فيبصر الرجل أباه وأخاه وقرابته وعشيرته ولا يسأله ولا يكلمه ؛ لاشتغالهم بأنفسهم.