وقوله: ﴿إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ...﴾.
يقول القائل: هل يجوز فى الكلام أن تقول: مررت بالقوم إِلاَّ بزيد، تريد: إلاَّ أنى لم أمرر بزيد؟ قلت: لا يجوز هذا، والذى فى كتاب الله صواب جيد ؛ لأن أول الكلام فيه كالنهى إذ ذُكِر: ﴿والَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُون...﴾ يقول: فلا يلامون إلاّ على غير أزواجهم، فجرى الكلام على ملومين التى فى آخره. ومثله أن تقول للرجل: اصنع ما شئت إلا [على] قتل النفس، فإنك معذب، أو فى قتل النفس، فمعناه إلا أنك معذب فى قتل النفس.
﴿ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ * أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ ﴾
وقوله: ﴿وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ...﴾.
والعزون: الحلق، الجماعات كانوا يجتمعون حول النبى صلى الله عليه فيقولون: لئن دخل هؤلاء الجنة ـ كما يقول محمد صلى الله عليه ـ لندخلنها قبلهم، وليكونن لنا فيها أكثر مما لهم، فأنزل الله: ﴿أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِىءٍ مِّنْهُمْ أَن يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ...﴾.
قرأ الناس: "أن يُدخَل" لا يسمّى فاعُله [/ا] وقرأ الحسن: "أن يَدخُلَ"، جعل له الفعل، ثم بيّن الله عز وجل فقال: ولم يحتقرونهم، وقد خَلَقْنَاهم جميعاً "مما يعلمون" من تراب.
﴿ يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الأَجْدَاثِ سِرَاعاً كَأَنَّهُمْ إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ ﴾
وقوله: ﴿إِلَى نُصُبٍ يُوفِضُونَ...﴾. الإيفاض: الإِسراع. وقال الشاعر:
لأنْعتنْ نعامةً ميفاضا * خَرْجاءَ ظلت تطلبُ الإضاضَا
قال: الخرجاء فى اللون، فإذا رُقِّعَ القميص الأبيض برقعةٍ حمراء فهو أخرج، تطلب الإضاضا: أى تطلب موضعا تدخل فيه، وتلجأ إليه. قرأ الأعمش وعاصم: "إلى نَصْبٍ" إلى شىء منصوب يستبقون إِليه، وقرأ زيد بن ثابت: "إلى نُصُب يوفضون" فكأنّ النُّصبَ الآلهة التى كانت تعبد [من دون الله]، وكلٌّ صواب، وهو واحد، والجمع: أنصاب. أ هـ ﴿معانى القرآن / للفراء حـ ٣ صـ ١٨٣ ـ ١٨٦﴾