فرد اللّه عليهم بقوله "أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ" ٣٨ مثل أصحابك "كَلَّا" يا سيد الرسل لا يدخلونها أبدا ماداموا على كفرهم، لأن أمثالهم ليسوا من أهل الجنة، إذ لا يدخلها إلا الطاهرون من الشرك والكفر "إِنَّا خَلَقْناهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ" ٣٩ من نطفة قذرة، وهذه الجملة جارية مجرى المثل تعريضا عما يستقبح ذكره، لأن النطفة من مصب يتحاشى عن التصريح به، ولذلك أبهمه تعالى وتنزه.
وهذا من آداب القرآن العظيم الواجب على الناس التأدب بآدابه، وأن يجتنبوا التصريح في كل ما من شأنه كتمه بل يومئون إليه إيماء ويعرضون تعريضا، والمعنى أن هؤلاء الكفار يدعون الشرف والفضل على أصحاب محمد، وهم وإن كانوا جميعا خلقوا من أصل واحد وشيء واحد كما ذكروا، إلا أن البشر يتفاضل بالأعمال والمعارف، والجنة لا تكون إلا للصالحين من البشر المخلصين، لا للأكابر والأغنياء وأهل الأنساب غير المتصفين بالصلاح.
روى البغوي بإسناد الثعلبي عن بشر بن جحاش قال : قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم - وبصق يوما في كفه ووضع عليها إصبعه - فقال يقول اللّه عز وجل : يا ابن آدم أنّى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه، حتى إذا سويتك وعدلتك ومشيت بين بردين والأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق، وآن أوان الصدقة.
"فَلا" ليس الأمر كذلك "أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشارِقِ وَالْمَغارِبِ" مشرق كل يوم من السنة ومغربها "إِنَّا لَقادِرُونَ" ٤٠ على إهلاكهم جميعا بلحظة واحدة و