فصل


قال الفخر :
ثم ذكر بعده ما يتعلق بالكفار فقال :
فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦)
المهطع المسرع وقيل : الماد عنقه، وأنشدوا فيه :
بمكة أهلها ولقد أراهم.. بمكة مهطعين إلى السماع
والوجهان متقاربان، روى أن المشركين كانوا يحتفون حول النبي ﷺ حلقاً حلقاً وفرقاً فرقاً يستمعون ويستهزئون بكلامه، ويقولون : إذا دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد : فلندخلنها قبلهم، فنزلت هذه الآية فقوله :﴿مُهْطِعِينَ﴾ أي مسرعين نحوك مادين أعناقهم إليك مقبلين بأبصارهم عليك، وقال أبو مسلم : ظاهر الآية يدل على أنهم هم المنافقون، فهم الذين كانوا عنده وإسراعهم المذكور هو الإسراع في الكفر كقوله :﴿لاَ يَحْزُنكَ الذين يُسَارِعُونَ فِى الكفر﴾ [ المائدة : ٤١ ].
عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ عِزِينَ (٣٧)
وذلك لأنهم كانوا عن يمينه وعن شماله مجتمعين، ومعنى : عزين جماعات في تفرقة، واحدها عزة، وهي العصبة من الناس، قال الأزهري : وأصلها من قولهم : عزا فلان نفسه إلى بني فلان يعزوها عزواً إذا انتهى إليهم، والاسم العزوة وكان العزة كل جماعة اعتزوها إلى أمر واحد، واعلم أن هذا من المنقوص الذي جاز جمعه بالواو والنون عوضاً من المحذوف وأصلها عزوة، والكلام في هذه كالكلام في ﴿عِضِينَ﴾ [ الحجر : ٩١ ] وقد تقدم، وقيل : كان المستهزئون خمسة أرهط.
أَيَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ (٣٨)
والنعيم ضد البؤس، والمعنى أيطمع كل رجل منهم أن يدخل جنتي كما يدخلها المسلمون.
كَلَّا إِنَّا خَلَقْنَاهُمْ مِمَّا يَعْلَمُونَ (٣٩)
ثم قال :﴿كَلاَّ﴾ وهو ردع لهم عن ذلك الطمع الفاسد.
ثم قال :﴿إِنَّا خلقناهم مّمَّا يَعْلَمُونَ﴾ وفيه مسألتان :
المسألة الأولى :
الغرض من هذا الاستدلال على صحة البعث، كأنه قال : لما قدرت على أن أخلقكم من النطفة، وجب أن أكون قادراً على بعثكم.


الصفحة التالية
Icon