وقال ابن عاشور :
﴿ فَمَالِ الَّذِينَ كَفَرُوا قِبَلَكَ مُهْطِعِينَ (٣٦) ﴾
تفهام إنكاري وتعجيبي من تجمع المشركين إلى النبي ﷺ مستهزئين بما يسمعون من وعد المؤمنين بالجنة ووعيد المشركين بعذاب جهنم.
فرع ذلك على ما أفاده في قوله :﴿ أولئك جنات مكرمون ﴾ [ المعارج : ٣٥ ].
والمعنى : أن الذين كفروا لا مطمع لهم في دخول الجنة فماذا يحاولون بتجمعهم حولك بملامح استهزائهم.
وهذا وإن كان خطاباً للنبيء ﷺ فالمقصود به إبلاغه إليهم فيما يتلو عليهم من القرآن فهو موجه إليهم في المعنى كما يدل عليه تنهيته بحرف الردع فهو لا يناسب أن يكون إعلاماً للنبيء ﷺ لذلك لأنه شيء مقرر في علمه.
ومعنى ﴿ فما للذين كفروا ﴾ : أيُّ شيء ثبت للذين كفروا في حال كونهم عندك، أو في حال إهطاعهم إليك.
وقد تقدم عند قوله تعالى :﴿ قالوا وما لنا أن لا نقاتل في سبيل الله وقد أُخرجنا من ديارنا ﴾ في سورة البقرة ( ٢٤٦ ).
وتركيب ما لَه لا يخلو من حال مفردة، أو جملة بعد الاستفهام تكون هي مصبَّ الاستفهام.
فيجوز أن تكون الحال المتوجه إليها الاستفهام هنا الظرف، أي قِبَلَك } فيكون ظرفاً مستقراً وصاحب الحال هو ﴿ للذين كفروا ﴾.
ويجوز أن تكون ﴿ مهطعين، ﴾ فيكون ﴿ قِبَلَك ﴾ ظرفاً لغْواً متعلقاً بـ ﴿ مهطعين.
وعلى كلا الوجهين هما مثار التعجيب من حالهم فأيهما جعل محل التعجيب أجري الآخَر المُجرى اللائق به في التركيب.
وكتب في المصحف اللام الداخلة على ﴿ الذين ﴾ مفصولة عن مدخولها وهو رسم نادر.
والإِهطاع : مد العنق عند السير كما تقدم في قوله تعالى :﴿ مهطعين إلى الداع ﴾ في سورة القمر ( ٨ ).


الصفحة التالية
Icon