وجعلت الدعوة معللة بمغفرة الله لهم لأنها دعوة إلى سبب المغفرة وهو الإِيمان بالله وحده وطاعةُ أمره على لسان رسوله.
وفي ذلك تعريض بتحميقهم وتعجب من خُلُقهم إذ يعرضون عن الدعوة لما فيه نفعهم فكان مقتضى الرشاد أن يسمعوها ويتدبروها.
والإِصرار : تحقيق العزم على فعلٍ، وهو مشتق من الصَّر وهو الشد على شيء والعقدُ عليه، وتقدم عند قوله تعالى :﴿ ولم يصرّوا على ما فعلوا ﴾ في سورة آل عمران ( ١٣٥ ).
وحذف متعلق أصَروا } لظهوره، أي أصروا على ما هم عليه من الشرك.
﴿ واستكبروا ﴾ مبالغة في تكبروا، أي جعلوا أنفسهم أكبر من أن يأتمروا لواحد منهم ﴿ ما نراك إلاّ بشراً مثلنا وما نراك اتبعك إلاّ الذين هم أراذلِنُا بادىء الرأي وما نرى لكم علينا من فضل ﴾ [ هود : ٢٧ ].
وتأكيد ﴿ استكبروا ﴾ بمفعوله المطلق للدلالة على تمكن الاستكبار.
وتنوين ﴿ استكباراً ﴾ للتعظيم، أي استكباراً شديداً لا يَفله حدُّ الدعوة.
ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهَارًا (٨)
ارتقى في شكواه واعتذاره بأنَّ دعوته كانت مختلفة الحالات في القول من جهر وإسرار، فعَطْف الكلام بـ ﴿ ثم ﴾ التي تفيد في عطفها الجمل أن مضمون الجملة المعطوفة أهم من مضمون المعطوف عليها، لأن اختلاف كيفية الدعوة ألصق بالدعوة من أوقات إلقائها لأن الحالة أشد ملابسة بصاحبها مِن ملابسة زمانه.
فذَكَر أنه دعاهم جهاراً، أي علناً.
وجِهار : اسم مصدر جهر، وهو هنا وصف لمصدر ﴿ دَعَوْتُهم ﴾، أي دعوةً جهاراً.
وارتقى فذكر أنه جمع بين الجهر والإِسرار لأن الجمع بين الحالتين أقوى في الدعوة وأغلظ من إفراد إحداهما.
فقوله :﴿ أعلنت لهم ﴾ تأكيد لقوله :﴿ دعوتهم جهاراً ﴾ ذكر ليبنى عليه عطف { وأسررت لهم إسراراً.


الصفحة التالية
Icon