وقال ابن عطية فى الآيات السابقة :
﴿ إِنَّا أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ أَنْ أَنْذِرْ قَوْمَكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (١) ﴾
" نوح " عليه السلام هو نوح بن لامك، وقد مر ذكره وذكر عمره ﷺ، وصرف نوح مع عجمته وتعريفه لخفته وسكون الوسط من حروفه، وقوله :﴿ أن أنذر قومك ﴾ يحتمل أن تكون ﴿ أن ﴾ : مفسرة لا موضع لها من الإعراب، ويحتمل أن يكون التقدير " بأن أنذر قومك " وهي على هذا في موضع نصب عند قوم من النحاة، وفي موضع خفض عند آخرين، وفي مصحف عبد الله بن مسعود " إلى قومه أنذر قومك " دون ﴿ أن ﴾، والعذاب الذي توعدوا به : يحتمل أن يكون عذاب الدنيا وهو الأظهر والأليق بما يأتي بعد، ويحتمل أن يكون عذاب الآخرة. وقرأ جمهور السبعة :" أنُ اعبدوا "، بضم النون من " أن " إتباعاً لضمة الباء وتركاً لمراعاة الحائل لخفة السكون، فهو كأن ليس ثم حائل. وقرأ عاصم وحمزة وأبو عمرو، وفي رواية عبد الوارث " أنِ اعبدوا "، بكسر النون وهذا هو الأصل في التقاء الساكنين من كلمتين. و﴿ يغفر ﴾ جواب الأمر وقوله تعالى :﴿ من ذنوبكم ﴾ قال قوم ﴿ من ﴾ زائدة، وهذا نحو كوفي، وأما الخليل وسيبويه فلا يجوز عندهم زيادتها في الواجب، وقال قوم : هي لبيان الجنس، وهذا ضعيف لأنه ليس هنا جنس يبين، وقال آخرون هي بمعنى " عن ". وهذا غير معروف في أحكام " من "، وقال آخرون : هي لابتداء الغاية وهذا قول يتجه كأنه يقول يبتدئ الغفران من هذه الذنوب العظام التي لهم. وقال آخرون : هي للتبعيض، وهذا عندي أبين الأقوال، وذلك أنه لو قال :" يغفر لكم ذنوبكم " لعم هذا اللفظ ما تقدم من الذنوب وما تأخر عن إيمانهم، والإسلام إنما يجبُّ ما قبله، فهي بعض من ذنوبهم، فالمعنى يغفر لكم ذنوبكم، وقال بعض المفسرين : أراد ﴿ يغفر لكم من ذنوبكم ﴾ المهم الموبق الكبير لأنه أهم عليهم، وبه ربما كان اليأس عن الله قد وقع لهم وهذا قول مضمنه أن ﴿ من ﴾ للتبعيض والله تعالى الموفق. وقرأ أبو عمرو :﴿ يغفر لكم ﴾ بالإدغام، ولا يجيز ذلك الخليل وسيبويه، لأن الراء حرف