هذه المقالة قالها نوح عليه السلام بعد أن طال عمره وتحقق اليأس عن قومه، وقوله :﴿ ليلاً ونهاراً ﴾ عبارة عن استمرار دعائه، وأنه لم ين فيه قط، ويروى عن قتادة أن نوحاً عليه السلام كان يجيئه الرجل من قومه بابنه فيقول : احذر هذا الرجل فإن أبي حذرني إياه، ويقول له إنه مجنون. وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر :" دعائيَ إلا " بالهمز وفتح الياء، وقرأ عاصم وحمزة والكسائي :" دعايْ " بسكون الياء دون همز، وروى شبل عن ابن كثير : بنصب الياء دون همز مثل هداي، وقرأ عاصم أيضاً وسلام ويعقوب : بهمز وياء ساكنة. وقوله :﴿ وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم ﴾ معناه : ليؤمنوا فيكون ذلك سبب الغفران. وقوله تعالى :﴿ جعلوا أصابعهم في آذانهم ﴾ يحتمل أن يكون حقيقة، ويحتمل أن يكون عبارة عن إعراضهم، وشدة رفضهم لأقواله، وكذلك قوله :﴿ استغشوا ثيابهم ﴾ معناه : جعلوها أغشية على رؤوسهم، والإصرار الثبوت على معتقد ما، وأكثر استعماله في الذنوب، ثم كرر عليه السلام صفة دعائه لهم بياناً وتأكيداً وجهاراً يريد علانية في المحافل، والإسرار ما كان من دعاء الأفراد بينه وبينهم على انفراد، وهذا غاية الجد. وقوله تعالى :﴿ استغفروا ربكم يرسل السماء ﴾ يقتضي أن الاستغفار سبب لنزول المطر في كل أمة. وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استسقى بالناس فلم يزد على أن استغفر ساعة ثم انصرف فقال له قوم : ما رأيناك استسقيت يا أمير المؤمنين، فقال : والله لقد استنزلت المطر بمجادح السماء، ثم قرأ الآية، وسقى رضي الله عنه، وشكى رجل إلى الحسن الجرب فقال له : استغفر الله، وشكى إليه آخر الفقر، فقال : استغفر إليه، وقال له آخر : ادع الله أن يرزقني ولداً، فقال له استغفر الله، فقيل له في ذلك، فنزع بهذه الآية.