وقال ابن عاشور :
﴿ فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (١٠) ﴾
وفصَّل دعوته بفاء التفريع فقال ﴿ فقلت استغفروا ربكم ﴾ فهذا القول هو الذي قاله لهم ليلاً ونهاراً وجهاراً وإسراراً.
ومعنى ﴿ استغفروا ربكم ﴾، ءامنوا إيماناً يكون استغفاراً لذنبكم فإنكم إن فعلتم غفر الله لكم.
وعلّل ذلك لهم بأن الله موصوف بالغفران صفة ثابتة تعهد الله بها لعباده المستغفرين، فأفاد التعليل بحرف ( إنَّ ) وأفاد ثبوت الصفة لله بذكر فعل ﴿ كان ﴾ وأفاد كمال غفرانه بصيغة المبالغة بقوله ﴿ غفّاراً ﴾.
وهذا وعد بخير الآخرة ورتب عليه وعداً بخير الدنيا بطريق جواب الأمر، وهو ﴿ يُرسل السماء عليكم ﴾ الآية.
وكانوا أهل فلاحة فوعدهم بنزول المطر الذي به السلامة من القحط وبالزيادة في الأموال.
و﴿ السماء ﴾ : هنا المطر، ومن أسماء المطر السماء.
وفي حديث "الموطأ" و"الصحيحين" عن زيد بن خالد الجهني : أنه قال :" صلى لنا رسول الله ﷺ صلاة الصبح بالحُدَيْبِيَة على إِثْر سَمَاءٍ كانت من الليْل " الحديث.
وقال معاوية بن مالك بن جعفر:
إذا نزل السماءُ بأرض قوم...
رَعَيْنَاهُ وإن كانوا غِضابا
والمدرار : الكثيرة الدُّر والدُّرور، وهو السيلان، يُقال : درت السماء بالمطر، وسماء مدرار.
ومعنى ذلك : أن يَتْبع بعض الأمطار بعضاً.
ومِدرار، زنة مبالغة، وهذا الوزن لا تلحقه علامة التأنيث إلاّ نادراً كما في قول سهل بن مالك الفزاري:
أصبَحَ يَهْوَى حُرَّةً مِعْطَارَة...
فلذلك لم تلحق التاء هنا مع أن اسم السماء مؤنث.
والإِرسال : مستعار للإِيصال والإِعطاء، وتعديته بـ ﴿ عليكم ﴾ لأنه إيصال من علوّ كقوله:
﴿ وأرسل عليهم طيراً أبابيل ﴾ [ الفيل : ٣ ].
و( أموال ) : جمع مال وهو يشمل كل مكسب يبذله المرء في اقتناء ما يحتاج إليه.