واعلم أنه تعالى رجع ههنا إلى دلائل الأنفس وهو كالتفسير لقوله :﴿خَلَقَكُمْ أَطْوَاراً﴾ [ نوح : ١٤ ] فإنه بين أنه تعالى خلقهم من الأرض ثم يردهم إليها ثم يخرجهم منها مرة أخرى، أما قوله :﴿أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض نَبَاتاً﴾ ففيه مسألتان :
المسألة الأولى :
في هذه الآية وجهان أحدهما : معنى قوله :﴿أَنبَتَكُمْ مّنَ الأرض﴾ أي أنبت أباكم من الأرض كما قال :﴿إِنَّ مَثَلَ عيسى عِندَ الله كَمَثَلِ ءادَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ﴾ [ آل عمران : ٥٩ ].
والثاني : أنه تعالى أنبت الكل من الأرض لأنه تعالى إنما يخلقنا من النطف وهي متولدة من الأغذية المتولدة من النبات المتولد من الأرض.
المسألة الثانية :
كان ينبغي أن يقال : أنبتكم إنباتاً إلا أنه لم يقل ذلك بل قال : أنبتكم نباتاً، والتقدير أنبتكم فنبتم نباتاً، وفيه دقيقة لطيفة : وهي أنه لو قال : أنبتكم إنباتاً كان المعنى أنبتكم إنباتاً عجيباً غريباً، ولما قال : أنبتكم نباتاً كان المعنى أنبتكم فنبتم نباتاً عجيباً، وهذا الثاني أولى لأن الإنبات صفة لله تعالى وصفة الله غير محسوسة لنا، فلا نعرف أن ذلك الإنبات إنبات عجيب كامل إلا بواسطة إخبار الله تعالى، وهذا المقام مقام الاستدلال على كمال قدرة الله تعالى فلا يمكن إثباته بالسمع، أما لما قال :{أَنبَتَكُمْ...


الصفحة التالية
Icon