ولما بان مضى المرسِل والرسول والمرسَل إليهم، وكان الإرسال متضمناً معنى القول، أخذ في تفسيره بياناً للمرسل به فقال :﴿أن أنذر﴾ أي حذر تحذيراً بليغاً عظيماً ﴿قومك﴾ من الاستمرار على الكفر.
ولما كان المقصود " إعلامهم بذلك " في بعض الأوقات لأن الإنسان لا بد له من أوقات شغل بنفسه من نوم وأكل وغيره، أتى بالجار تخفيفاً عليه ورفقاً به عليه السلام فقال :﴿من قبل أن يأتيهم﴾ أي على ما هم عليه من الأعمال الخبيثة ﴿عذاب أليم ﴾.
وقال الإمام أبو جعفر بن الزبير : لما أمر الله تعالى نبيه ـ ﷺ ـ بالصبر على قومه في قوله :﴿فاصبر صبراً جميلاً﴾ [ المعارج : ٥ ] وجليل الإغضاء في قوله :﴿فذرهم يخوضوا ويلعبوا﴾ [ المعارج : ٤٢ ] أتبع ذلك بقصة نوح عليه السلام وتكرر دعائه قومه إلى الإيمان، وخص من خبره حاله في طول مدة التذكار والدعاء لأنه المقصود في الموضع تسلية لنبيه ـ ﷺ ـ، وليتأسى به في الصبر والرفق والدعاء كما قيل له ـ ﷺ ـ في غير هذا الموضع ﴿فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل ولا تستعجل لهم﴾ [ الأحقاف : ٣٥ ] ﴿فلا تذهب نفسك عليهم حسرات﴾ [ فاطر : ٨ ] فقد دام دعاء نوح عليه السلام مع قومه أدوم من مدتك، ومع ذلك فلم يزدهم إلا فراراً ﴿قال رب إني دعوت قومي ليلاً ونهاراً فلم يزدهم دعائي إلا فراراً وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكباراً﴾ [ نوح : ٥- ٧ ] ثم مضت آي السورة على هذا المنهج من تجديد الإخبار بطول مكابدته عليه السلام وتكرير دعائه، فلم يزدهم ذلك إلا بعداً وتصميماً على كفرهم حتى أخذهم الله، وأجاب فيهم دعاء نبيه نوح عليه السلام


الصفحة التالية
Icon