وحرف ﴿ مِن ﴾ زائد للتوكيد، وهذا من زيادة ﴿ مِن ﴾ في الإيجاب على رأي كثير من أئمة النحو مثل الأخفش وأبي علي الفارسي وابن جنيّ من البصريين وهو قول الكسائي وجميععِ نحاة الكوفة.
فيفيد أن الإيمان يَجُبُّ ما قبله في شريعة نوح مثل شريعة الإِسلام.
ويجوز أن تكون ﴿ مِن ﴾ للتبعيض، عند من أثبت ذلك وهو اختيار التفتازاني، أي يغفر لكم بعض ذنوبكم، أي ذنوب الإِشراك وما معه، فيكون الإيمان في شرع نوح لا يقتضي مغفرة جميع الذنوب السابقة، وليس يلزم تماثل الشرائع في جميع الأحكام الفرعية، ومغفرةُ الذنوب من تفاريع الدين وليست من أصوله.
وقال ابن عطية : معنى التبعيض : مغفرة الذنوب السابقة دون ما يذنبون من بعد.
وهذا يتم ويحسن إذا قدرنا أن شريعة نوح تشتمل على أوامر ومنهيات عملية فيكون ذكر ﴿ مِن ﴾ التبعيضية اقتصاداً في الكلام بالقدر المحقق.
وأما قوله :﴿ ويؤخركم إلى أجل مسمى ﴾ فهو وعد بخير دنيوي يستوي الناس في رغبته، وهو طول البقاء فإنه من النعم العظيمة لأن في جبلة الإِنسان حُب البقاء في الحياة على ما في الحياة من عوارضَ ومكدرات.
وهذا ناموس جعله الله تعالى في جبلة الإِنسان لتجري أعمال الناس على ما يعين على حفظ النوع.
قال المعري:
وكلّ يريدُ العيشَ والعيشُ حَتفُه ويستعْذِبُ اللذاتتِ وهي سِمَام...
والتأخيرُ : ضد التعجيل، وقد أطلق التأخير على التمديد والتوسيع في أجل الشيء.