وقد أشعر وعدُه إياهم بالتأخير أنه تأخير مجموعهم، أي مجموع قومه لأنه جُعل جزاءً لكل من عَبدَ الله منهم واتقاه وأطاع الرسول، فدل على أنه أنذرهم في خلال ذلك باستئصال القوم كلهم، وأنهم كانوا على علم بذلك كما أشار إليه قوله :﴿ أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم ﴾ [ نوح : ١ ] كما تقدم آنفاً، وكما يفسره قوله تعالى في سورة هود ( ٣٨ ) ﴿ ويصنَعُ الفلك وكلَّما مرّ عليه ملأ من قومه سَخِروا منه ﴾ أي سخروا من الأمر الذي يصنع الفلك للوقاية منه وهو أمر الطوفان، فتعين أن التأخير المراد هنا هو عدم استئصالهم.
والمعنى : ويؤخر القوم كلهم إلى أجل مسمى وهو آجال إشخاصهم وهي متفاوتة.
والأجل المسمى : هو الأجل المعين بتقدير الله عند خلقةِ كل أحد منهم، فالتنوين في ﴿ أجل ﴾ للنوعية، أي الجنس، وهو صادق على آجال متعددة بعدد أصحابها كما قال تعالى:
﴿ ومنكم من يتوفى ومنكم من يُرَدّ إلى أرذل العمر ﴾ [ الحج : ٥ ].
ومعنى ﴿ مسمى ﴾ أنه محدد معيّن وهو ما في قوله تعالى :﴿ وأجل مسمى عنده ﴾ في سورة الأنعام ( ٢ ).
فالأجل المسمى : هو عمر كل واحد، المعيّنُ له في سَاعةِ خلْقه المشار إليه في الحديث أن المَلَك يؤمر بكتب أجل المخلوق عندما يَنفُخ فيه الروحَ، واستعيرت التسمية للتعيين لشَبه عدم الاختلاط بين أصحاب الآجال.
والمعنى : ويؤخركم فلا يعجل بإهلاككم جميعاً فيؤخر كل أحد إلى أجله المعيّن له على تفاوت آجالهم.
فمعنى هذه الآية نظير معنى آية سورة هود ( ٣ ) ﴿ وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتّعْكم متاعاً حسناً إلى أجلٍ مسمّى ﴾ وهي على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.
﴿ إِنَّ أَجَلَ الله إِذَا جَآءَ لاَ يُؤَخَّرُ لَوْ كُنتُمْ ﴾.