وقال أبو السعود فى الآيات السابقة :
﴿ قَالَ نُوحٌ ﴾
أعيدَ لفظُ الحكايةِ لطولِ العهدِ بحكايةِ مناجاتِهِ لربِّهِ، أي قالَ مناجياً لهُ تعالَى :﴿ رَّبّ إِنَّهُمْ عصونى ﴾ أيْ تمُّوا على عصيانِي فيما أمرتُهُم بهِ مع ما بالغتُ في إرشادِهِم بالعظةِ والتذكيرِ. ﴿ واتبعوا مَن لَّمْ يَزِدْهُ مَالُهُ وَوَلَدُهُ إِلاَّ خَسَاراً ﴾ أيْ واستمرُّوا على اتِّباعِ رؤسائِهِم الذينَ أبطرَتْهُم أموالُهُم وغرتْهُم أولادُهُم وصارَ ذلكَ سبباً لزيادةِ خسارِهِم في الآخرةِ فصَارُوا أسوةً لهم في الخسارِ، وفي وصفِهِم بذلكَ إشعارٌ بأنَّهُم إنَّما اتَّبَعُوهُم لوجاهَتِهِم الحاصلةِ لهم بسببِ الأموالِ والأولادِ لما شاهدُوا فيهم من شُبهةٍ مُصححةٍ للاتباعِ في الجُملةِ. وقُرِىءَ وولده بالضمِّ والسكونِ على أنَّهُ لغةٌ كالحُزْنِ أو جمعٌ كالأُسْدِ. ﴿ وَمَكَرُواْ ﴾ عطفٌ على صلةِ من والجمعُ باعتبارِ مَعناهَا كما أنَّ الإفرادَ في الضمائرِ الأُولِ باعتبارِ لفظِهَا ﴿ مَكْراً كُبَّاراً ﴾ أي كبيراً في الغايةِ وقُرِىءَ بالتخفيفِ والأولُ أبلغُ منْهُ وهُوَ أبلغُ من الكبيرِ وذلكَ احتيالُهُم في الدِّينِ وصدُّهم للنَّاسِ عنْهُ وتحريشُهُم على أذيةِ نوحً عليهِ السَّلامُ ﴿ وَقَالُواْ لاَ تَذَرُنَّ ءالِهَتَكُمْ ﴾ أي لا تتركُوا عبادتَهَا على الإطلاقِ إلى عبادةِ ربِّ نوحٍ ﴿ وَلاَ تَذَرُنَّ وَدّاً وَلاَ سُوَاعاً وَلاَ يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْراً ﴾ أي ولا تذُرنَّ عبادةَ هؤلاءِ، خصُّوها بالذكرِ مع اندراجِهَا فيمَا سبقَ لأنَّها كانتْ أكبرَ أصنامِهِم وأعظَمَهَا قدراً عندهُم وقد انتقلتْ هذه الأصنامُ عنهُم إلى العربِ فكانَ ودُّ لكلبٍ وسواعٌ لهمدانَ ويغوثُ لمذحجَ ويعوقُ لمرادٍ ونسرٌ لحِميْرٍ. وقيلَ هي أسماءُ رجالٍ صالحينَ وكانُوا بينَ أدمَ ونوحٍ، وقيلَ من أولادِ آدمَ عليهِ السَّلامُ ماتُوا فقالَ إبليسُ لمن بعدَهُم لو صوَّرتُم صُورَهُم فكنتُم تنظرونَ إليهِم وتتبركُونَ بهم ففعلُوا فلمَّا