فالجن لهم حقيقة موجودة فعلا وهم كما يصفون أنفسهم هنا:(وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا).. ومنهم الضالون المضلون ومنهم السذج الأبرياء الذين ينخدعون:(وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا، وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا).. وهم قابلون للهداية من الضلال، مستعدون لإدراك القرآن سماعا وفهما وتأثرا:(قل: أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا: إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به، ولن نشرك بربنا أحدا).. وأنهم قابلون بخلقتهم لتوقيع الجزاء عليهم وتحقيق نتائج الإيمان و الكفر فيهم:(وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به، فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا. وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون، فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا، وأما القاسطون، فكانوا لجهنم حطبا).. وأنهم لا ينفعون الإنس حين يلوذون بهم بل يرهقونهم:(وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا).. وأنهم لا يعلمون الغيب، ولم تعد لهم صلة بالسماء: وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا، وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع، فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا، وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا.. وأنهم لا صهر بينهم وبين الله - سبحانه وتعالى - ولا نسب:(وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا).. وأن الجن لا قوة لهم مع قوة الله ولا حيلة: (وأنا ظننا أن لن نعجزالله في الأرض ولن نعجزه هربا)..
وهذا الذي ذكر في هذه السورة عن الجن بالإضافة إلى ما جاء في القرآن من صفات أخرى كتسخير طائفة من الشياطين لسليمان - وهم من الجن - وأنهم لم يعلموا بموته إلا بعد فترة، فدل هذا على أنهم لا يعلمون الغيب: فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته، فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين..