فصل
قال الفخر :
النوع الثالث عشر : قوله تعالى :
وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (١٤)
القاسط الجائر، والمقسط العادل، وذكرنا معنى قسط وأقسط في أول سورة النساء، فالقاسطون الكافرون الجائرون عن طريق الحق، وعن سعيد بن جبير : أن الحجاج قال له حين أراد قتله : ما تقول في ؟ قال : قاسط عادل، فقال القوم : ما أحسن ما قال، حسبوا أنه يصفه بالقسط والعدل، فقال الحجاج : يا جهلة إنه سماني ظالماً مشركاً، وتلا لهم قوله :﴿وَأَمَّا القاسطون﴾ [ الجن : ١٥ ] وقوله :﴿ثْمَّ الذين كَفَرُواْ بِرَبّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [ الأنعام : ١ ] ﴿تَحَرَّوْاْ رَشَداً﴾ أي قصدوا طريق الحق، قال أبو عبيدة : تحروا توخوا، قال المبرد : أصل التحري من قولهم : ذلك أحرى، أي أحق وأقرب، وبالحري أن تفعل كذا، أي يجب عليك.
ثم إن الجن ذموا الكافرين فقالوا :
وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا (١٥)
وفيه سؤالان :
الأول : لمَ ذكر عقاب القاسطين ولمْ يذكر ثواب المسلمين ؟ الجواب : بل ذكر ثواب المؤمنين وهو قوله تعالى :﴿تَحَرَّوْاْ رَشَداً﴾ [ الجن : ١٤ ] أي توخوا رشداً عظيماً لا يبلغ كنهه إلا الله تعالى، ومثل هذا لا يتحقق إلا في الثواب.
السؤال الثاني : الجن مخلوقين من النار، فكيف يكونون حطباً للنار ؟ الجواب : أنهم وإن خلقوا من النار، لكنهم تغيروا عن تلك الكيفية وصاروا لحماً ودماً هكذا، قيل : وههنا آخر كلام الحسن.
وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (١٦) لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَابًا صَعَدًا (١٧)
هذا من جملة الموحى إليه والتقدير : قل أوحي إلي أنه استمع نفر وأن لو استقاموا فيكون هذا هو النوع الثاني مما أوحي إليه، وههنا مسائل :
المسألة الأولى :