والذي خصّ هذه الآية بأهل مكة أراد أنها على حد قوله تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ) الآية ٩٦ من آل عمران المارة وهو وجيه لو لم يكن فيه الالتفات وتغيير نسق العطف دون حاجة فضلا عن استقامة المعنى بالنسبة لما قبل الآية وبعدها واتباع الظاهر أظهر، قال تعالى "وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ" الذي ذكر به عباده من آيات وعبر ولم يوحده حسبما أمر وعكف على إشراك غيره معه وأصر ومات على ذلك وانقبر "يَسْلُكْهُ" يدخله "عَذاباً صَعَداً" ١٧ شاقا يعلوه ويغلبه فلا يطيقه، راجع تفسير الآية ١٧ من سورة المزمل المارة، وهنا يتبادر لي أن التفسير من قوله (وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا) إلى هنا على طريق الالتفات الذي ذكر آنفا أولى، لأن إعادة الضمير من هناك إلى هنا إلى الجن مطلقا أو إلى القاسطين منهم على رأي البعض أو لمن ثبت منهم ومن الإنس على الكفر على قول الآخر أولى لأن الجن لا ينتفعون بالماء انتفاع الإنس، ولأن استعمال الاستقامة على الطريقة في الاستقامة على الكفر وجعل النعمة استدراجا من غير قرينة على الاستدراج مخالف لظاهر القرآن، فضلا عن أن الطريقة جاءت معرفة فانصرافها إلى الطريقة المثلى وهي ملة الإسلام طريقة الهدى والرشد أولى من صرفها إلى طريقة الضلال والكفر على غير ظاهرها من غير دليل، لهذا لم أره موفقا لمخالفة نسق التنزيل.


الصفحة التالية
Icon