وبما أن هذه الآية معطوفة على قوله تعالى (أَنَّهُ اسْتَمَعَ) أي أوحي إلي أنه استمع وأوحي إلي (أَنْ لَوِ اسْتَقامُوا) ولا يضر تقدم المعطوف على غيره على القول به لظهور الحال وعدم الالتباس لذلك فإن إعادة الضمير إلى الجن فقط بغير محله، كما أن حصره بالإنس فقط غير موافق، فيكون الأحسن والأجمع للقولين عوده للجن والإنس معا تبعا لبعض المفسرين العظام، فيكون إسقاء الماء للإنس بطريق التغليب على الجن والاستقامة للإنس والجن معا ومثله كثير ووجيه اتباعه والأخذ به واللّه أعلم.
قال تعالى "وَأَنَّ الْمَساجِدَ لِلَّهِ" عطف أيضا على أنه استمع، أي وأوحي إليه صلى اللّه عليه وسلم أن البيوت المبنية للعبادة هي خاصة له تعالى لا علاقة باختصاص أحد فيها غيره، ولا يختص بها لأجل التعبّد واحد دون آخر، فيستوي فيها الكبير والصغير والعظيم والحقير والمالك والمملوك والغني والصعلوك، وهذا لا يمنع تسمية الجامع باسم بانيه لما فيه من هضم حقه وتقليل الرغبة لغيره لأن معنى للّه هو ما ذكرناه من تساوي الناس فيه ليس إلا، ويدخل في هذا المعنى كنائس النصارى وكنيس اليهود والبيع والخلوات العامة، أما المحلات التي يتخذها غير أهل الكتب السماوية لعبادتهم المزعومة فلا تدخل فيها لأنها لم تنشأ لعبادة اللّه وإذا علمتم أيها الناس أن هذه المساجد خاصة للّه "فَلا تَدْعُوا" فيها ولا خارجها بأن تنادوا أو تعبدوا "مَعَ اللَّهِ أَحَداً" ١٨ في الدعاء وغيره فتشركون وتدخلون في معنى الآية ١٧ المارة، قال سعيد بن جبير :
المراد بالمساجد أعضاء الإنسان السبعة، أي الجبهة واليدين والرجلين والركبتين التي يسجد عليها، لأنها مخلوقة للّه فلا تسجدوا عليها لغيره.