ويجوز عود الضمير إلى اللّه وعليه يكون المعنى ليعلم اللّه جل شأنه أن الرسل قد أبلغوا رسالاته خلقه مثلما أخذوها منه، وهو عالم بذلك قبل ذلك، وعلى عوده إلى محمد بمعنى آخر، وهو ليعلم محمد أن الرسل قبله أبلغوا رسالات ربهم كاملة كما هي، وأن اللّه حفظهم ودفع عنهم شر أعدائهم وأهلكهم نصرة لهم وخذلانا لأمثالهم الخارجين على الأنبياء صلوات اللّه عليهم، وخير الأقوال الثلاثة آخرها، وهناك قولان آخران أحدهما أشدّ ضعفا من الآخر وهو عود الضمير إلى من كذب وأشرك، أي ليعلم هؤلاء أن الرسل أبلغوا، والثاني عوده لإبليس، أي ليعلم أن الرسل قد أبلغوا إلخ، وهما ليس شيء واللّه أعلم "وَأَحاطَ" اللّه جل جلاله "بِما لَدَيْهِمْ" أي الرسل وعلمه محيط بهم وبجميع خلقه وأحوالهم من جميع جهاتهم قبل خلقهم وإرسالهم، ولم يزل عليما بهم فلا يخفى عليه شيء من
أطوارهم، يعلم وجود الشيء كما كان يعلمه قبل وجوده، وأعاد بعض المفسرين ضمير لديهم إلى الرصد وليس بشيء "وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً" ٢٨ من
جميع ما خلقه وعلم كيفيته وكميته أيضا من حيوان وجماد وقطر وورق شجر وزبد بحر وذر وغيره، واللّه تعالى يعلم ما وراء ذلك مما لا يعلم البشر، ولم يسمع به، ولم يخطر بباله.
مطلب في كرامات الأولياء وعمر رضي اللّه عنه :
قال بعض المفسرين : إن هذه الآية مبطلة لكرامة الأولياء لأنهم مهما علت رتبتهم وسمت معارفهم فلن يبلغوا درجة الرسل، وإن اللّه خص بغيبه بعض المرسلين المرضيين عنده بالاطلاع على بعض غيبه، ومبطل للكهانة والتنجيم والتنويم وغيرها من باب أولى، لأن أصحابها أبعد شيء عن الارتضاء وأقرب شيء للسخط، حتى قال الواحدي إن في هذه الآية دليلا على أن من ادعى أن النجوم تدله على ما يكون من حياة أو موت أو غيرهما فقد كفر بالقرآن.