قرأ العامة ( قال ) على الغيبة وقرأ عاصم وحمزة، ﴿قُلْ﴾ حتى يكون نظيراً لما بعده، وهو قوله :﴿قُلْ إِنّى لاَ أَمْلِكُ﴾ [ الجن : ٢١ ] ﴿قُلْ إِنّى لَن يُجِيرَنِى﴾ [ الجن : ٢٢ ] قال مقاتل : إن كفار مكة قالوا للنبي ﷺ :"إنك جئت بأمر عظيم وقد عاديت الناس كلهم، فارجع عن هذا" فأنزل الله :﴿قُلْ إِنَّمَا ادعوا رَبّى﴾ وهذا حجة لعاصم وحمزة، ومن قرأ ﴿قَالَ﴾ حمل ذلك على أن القوم لما قالوا ذلك، أجابهم النبي ﷺ بقوله :﴿إِنَّمَا أَدْعُو رَبّى﴾ فحكى الله ذلك عنه بقوله ﴿قَالَ﴾ أو يكون ذاك من بقية حكاية الجن أحوال الرسول لقومهم.
قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا (٢١)
إما أن يفسر الرشد بالنفع حتى يكون تقدير الكلام : لا أملك لكم غياً ولا رشداً، ويدل عليه قراءة أبي ( غياً ولا رشداً )، ومعنى الكلام أن النافع والضار، والمرشد والمغوي هو الله، وإن أحداً من الخلق لا قدرة له عليه.
قوله تعالى :﴿قُلْ إِنّى لَن يُجِيرَنِى مِنَ الله أَحَد﴾ قال مقاتل : إنهم قالوا : اترك ما تدعو إليه ونحن نجيرك، فقال الله له :﴿قُلْ إِنّى لَن يُجِيرَنِى مِنَ الله أَحَدٌ ﴾.
ثم قال تعالى :﴿وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَداً﴾ أي ملجأ وحرزاً، قال المبرد :﴿مُلْتَحَدًا﴾ مثل قولك منعرجاً، والتحد معناه في اللغة مال، فالملتحد المدخل من الأرض مثل السرب الذاهب في الأرض.
قوله تعالى :﴿إِلاَّ بَلاَغاً مِّنَ الله ورسالاته﴾ ذكروا في هذا الاستثناء وجوهاً أحدها : أنه استثناء من قوله :﴿لا أَمْلِكُ﴾ [ الجن : ٢١ ] أي لا أملك لكم ضراً ولا رشداً إلا بلاغاً من الله، وقوله :﴿قُلْ إِنّى لَن يُجِيرَنِى﴾ [ الجن : ٢٢ ] جملة معترضة وقعت في البين لتأكيد نفي الاستطاعة عنه وبيان عجزه على معنى : أنه تعالى إن أراد به سوءاً لم يقدر أحد أن يجيره منه، وهذا قول الفراء.


الصفحة التالية
Icon