وذكرها ههنا مقيدة بقيد الأبد، فلا بد في هذا التخصيص من سبب، ولا سبب إلا أن هذا الذنب أعظم الذنوب، وإذا كان السبب في هذا التخصيص هذا المعنى، علمنا أن هذا الوعيد مختص بهذا الذنب وغير متعد إلى جميع الذنوب، وإذا ثبت أن هذا الوعيد مختص بفاعل هذا الذنب، صارت الآية دالة على أن حال سائر المذنبين بخلاف ذلك لأن قوله :﴿فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خالدين فِيهَا أَبَداً﴾ معناه أن هذه الحالة له لا لغيره، وهذا كقوله :﴿لَكُمْ دِينَكُمْ﴾ أي لكم لا لغيركم.
وإذا ثبت أن لهم هذه الحالة لا لغيرهم، وجب في سائر المذنبين أن لا يكون لهم نار جهنم على سبيل التأبيد، فظهر أن هذه الآية حجة لنا عليهم.
وعلى تمسكهم بالآية سؤال آخر، وهو أن قوله :﴿وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ﴾ إنما يتناول من عصى الله ورسوله بجميع أنواع المعاصي، وذلك هو الكافر ونحن نقول : بأن الكافر يبقى في النار مؤبداً، وإنما قلنا إن قوله :﴿وَمَن يَعْصِ الله وَرَسُولَهُ﴾ إنما يتناول من عصى الله بجميع أنواع المعاصي لأن قوله :﴿وَمَن يَعْصِ الله﴾ يصح استثناء جميع أنواع المعاصي عنه، مثل أن يقال ومن يعص الله إلا في الكفر وإلا في الزنا، وإلا في شرب الخمر، ومن مذهب القائلين بالوعيد أن حكم الاستثناء إخراج ما لولاه لكان داخلاً تحت اللفظ وإذا كان كذلك، وجب أن يكون قوله :﴿وَمَن يَعْصِ الله﴾ متناولاً لمن أتى بكل المعاصي، والذي يكون كذلك هو الكافر، فالآية مختصة بالكافر على هذا التقدير، فسقط وجه الاستدلال بها.


الصفحة التالية
Icon