فصل


قال الفخر :
﴿ قُلْ إِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ مَا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَدًا (٢٥) ﴾
قال مقاتل : لما سمعوا قوله :﴿حتى إِذَا رَأَوْاْ مَا يُوعَدُونَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ نَاصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً﴾ [ الجن : ٢٤ ] قال النضر بن الحرث : متى يكون هذا الذي توعدنا به ؟ فأنزل الله تعالى :﴿قُلْ إِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾ إلى آخره والمعنى أن وقوعه متيقن، أما وقت وقوعه فغير معلوم، وقوله :﴿أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبّى أَمَداً﴾ أي غاية وبعداً وهذا كقوله :﴿وَإِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ أَم بَعِيدٌ مَّا تُوعَدُونَ﴾ [ الأنبياء : ١٠٩ ] فإن قيل : أليس أنه قال :" بعثت أنا والساعة كهاتين " فكان عالماً بقرب وقوع القيامة، فكيف قال : ههنا لا أدري أقريب أم بعيد ؟ قلنا : المراد بقرب وقوعه هو أن ما بقي من الدنيا أقل مما انقضى، فهذا القدر من القرب معلوم، وأما معنى معرفة القرب القريب وعدم ذلك فغير معلوم.
ثم قال تعالى :﴿عالم الغيب فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً * إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ﴾ لفظة ( من ) في قوله :﴿مِن رَّسُولٍ﴾ تبيين لمن ارتضى يعني أنه لا يطلع على الغيب إلا المرتضى الذي يكون رسولاً، قال صاحب "الكشاف"، وفي هذا إبطال الكرامات لأن الذين تضاف الكرامات إليهم وإن كانوا أولياء مرتضين فليسوا برسل، وقد خص الله الرسل من بين المرتضين بالاطلاع على الغيب، وفيها أيضاً إبطال الكهانة والسحر والتنجيم لأن أصحابها أبعد شيء من الارتضاء وأدخله في السخط، قال الواحدي : وفي هذا دليل على أن من ادعى أن النجوم تدله على ما يكون من حياة أو موت أو غير ذلك فقد كفر بما في القرآن.


الصفحة التالية
Icon