واعلم أن الواحدي يجوز الكرامات وأن يلهم الله أولياءه وقوع بعض الوقائع في المستقبل ونسبة الآية إلى الصورتين واحدة فإن جعل الآية دالة على المنع من أحكام النجوم فينبغي أن يجعلها دالة على المنع من الكرامات على ما قاله صاحب "الكشاف"، وإن زعم أنها لا تدل على المنع من الإلهامات الحاصلة للأولياء فينبغي أن لا يجعلها دالة على المنع من الدلائل النجومية، فأما التحكم بدلالتها على المنع من الأحكام النجومية وعدم دلالتها على الإلهامات الحاصلة للأولياء فمجرد التشهي، وعندي أن الآية لا دلالة فيها على شيء مما قالوه والذي تدل عليه أن قوله :﴿على غَيْبِهِ﴾ ليس فيه صيغة عموم فيكفي في العمل بمقتضاه أن لا يظهر تعالى خلقه على غيب واحد من غيوبه فنحمله على وقت وقوع القيامة فيكون المراد من الآية أنه تعالى لا يظهر هذا الغيب لأحد فلا يبقى في الآية دلالة على أنه لا يظهر شيئاً من الغيوب لأحد، والذي يؤكد هذا التأويل أنه تعالى إنما ذكر هذه الآية عقيب قوله :﴿إِنْ أَدْرِى أَقَرِيبٌ مَّا تُوعَدُونَ أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبّى أَمَداً﴾ [ الجن : ٢٥ ] يعني لا أدري وقت وقوع القيامة، ثم قال بعده :﴿عالم الغيب فَلاَ يُظْهِرُ على غَيْبِهِ أَحَداً﴾ أي وقت وقوع القيامة من الغيب الذي لا يظهره الله لأحد، وبالجملة فقوله :﴿على غَيْبِهِ﴾ لفظ مفرد مضاف، فيكفي في العمل به حمله على غيب واحد، فأما العموم فليس في اللفظ دلالة عليه، فإن قيل : فإذا حملتم ذلك على القيامة فكيف قال :﴿إِلاَّ مَنِ ارتضى مِن رَّسُولٍ﴾ مع أنه لا يظهر هذا الغيب لأحد من رسله ؟ قلنا : بل يظهره عند القرب من إقامة القيامة، وكيف لا وقد قال :﴿وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السماء بالغمام وَنُزّلَ الملائكة تَنزِيلاً﴾ [ الفرقان : ٢٥ ] ولا شك أن الملائكة يعلمون في ذلك الوقت قيام القيامة، وأيضاً يحتمل أن يكون هذا الاستثناء منقطعاً، كأنه قال : عالم الغيب فلا يظهر


الصفحة التالية
Icon