على غيبه المخصوص وهو قيام القيامة أحداً، ثم قال بعده : لكن من ارتضى من رسول :﴿فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ﴾ حفظة يحفظونه من شر مردة الإنس والجن، لأنه تعالى إنما ذكر هذا الكلام جواباً لسؤال من سأله عن وقت وقوع القيامة على سبيل الاستهزاء به، والاستحقار لدينه ومقالته.
واعلم أنه لا بد من القطع بأنه ليس مراد الله من هذه الآية أن لا يطلع أحداً على شيء من المغيبات إلا الرسل، والذي يدل عليه وجوه أحدها : أنه ثبت بالأخبار القريبة من التواتر أن شقاً وسطيحاً كانا كاهنين يخبران بظهور نبينا محمد ﷺ قبل زمان ظهوره، وكانا في العرب مشهورين بهذا النوع من العلم، حتى رجع إليهما كسرى في تعرف أخبار رسولنا محمد ﷺ، فثبت أن الله تعالى قد يطلع غير الرسل على شيء من الغيب وثانيها : أن جميع أرباب الملل والأديان مطبقون على صحة علم التعبير، وأن المعبر قد يخبر عن وقوع الوقائع الآتية في المستقبل، ويكون صادقاً فيه وثالثها : أن الكاهنة البغدادية التي نقلها السلطان سنجر بن ملك شاه من بغداد إلى خراسان، وسألها عن الأحوال الآتية في المستقبل فذكرت أشياء، ثم إنها وقعت على وفق كلامها.
قال مصنف الكتاب ختم الله له بالحسنى : وأنا قد رأيت أناساً محققين في علوم الكلام والحكمة، حكوا عنها أنها أخبرت عن الأشياء الغائبة أخباراً على سبيل التفصيل، وجاءت تلك الوقائع على وفق خبرها، وبالغ أبو البركات في كتاب المعتبر في شرح حالها، وقال : لقد تفحصت عن حالها مدة ثلاثين سنة حتى تيقنت أنها كانت تخبر عن المغيبات إخباراً مطابقاً.


الصفحة التالية
Icon