وقال الخليل بن أحمد : معنى الآية، ولأن ﴿ المساجد لله فلا تدعوا ﴾ أي لهذا السبب، وكذلك عنده ﴿ لإيلاف قريش ﴾ [ قريش : ١ ] ﴿ فليعبدوا ﴾ [ قريش : ٣ ] وكذلك عنده ﴿ وأن هذه أمتكم أمة ﴾ [ الأنبياء : ٩٢، المؤمنون : ٥٢ ]. و﴿ المساجد ﴾ المخصوصة بينة التمكن في كونها لله تعالى فيصح أن تفرد للصلاة والدعاء وقراءة العلم، وكل ما هو خالص لله تعالى، وأن لا يتحدث بها في أمور الدنيا. ولا يتخذ طريقاً، ولا يجعل فيها لغير الله نصيب، ولقد قعدت للقضاء بين المسلمين في المسجد الجامع بالمرية مدة، ثم رأيت فيه من سوء المتخاصمين وأيمانهم وفجور الخصام وعائلته ودخول النسوان ما رأيت تنزيه البيت عنه فقطعت القعود للأحكام فيه. وقوله عز وجل :﴿ وأنه لما قام عبد الله ﴾ يحتمل أن يكون خطاباً من الله تعالى، ويحتمل أن يكون إخباراً عن الجن، وقرأ بعض القراء على ما تقدم " وأنه " يفتح الألف، وهذا عطف على قوله ﴿ أنه استمع ﴾ [ الجن : ١ ]، والعبد على هذه القراءة قال قوم : هو نوح، والضمير في ﴿ كادوا ﴾ لكفار قومه، وقال آخرون، هو محمد، والضمير في ﴿ كادوا ﴾ للجن. المعنى أنهم ﴿ كادوا ﴾ يتقصفون عليه لاستماع القرآن، وقرأ آخرون منهم " وإنه لما قام " بكسر الألف، والعبد محمد عليه السلام، والضمير في ﴿ كادوا ﴾ يحتمل أن يكون للجن على المعنى الذي ذكرناه، ويحتمل أن يكون لكفار قومه وللعرب في اجتماعهم على رد أمره، ولا يتجه أن يكون العبد نوحاً إلا على تحامل في تأويل نسق الآية، وقال ابن جبير : معنى الآية، إنما قول الجن لقومهم يحكون، والعبد محمد صلى الله عليه وسلم.
والضمير في ﴿ كادوا ﴾ لأصحابه الذين يطوعون له ويقتدون به في الصلاة، فهم عليه لبد. واللبد الجماعات شبهت بالشيء المتلبد بعضه فوق بعض، ومنه قول عبد بن مناف بن ربع :[ البسيط ]
صافوا بستة أبيات وأربعة... حتى كأن عليهم جانياً لبدا


الصفحة التالية
Icon