العمل، لقلة الشواغل العارضة، واللوافت الصارفة، ولأن البال فيها أجمع، والقلب أفرغ، فالقراءة فيها أقوم، والصلاة أسلم.
ومن جعل وطاء هاهنا اسما «١» لما يستوطى ويفترش، كالمهاد وما يجرى مجراه، فأنه ذهب إلى أن عمل الليل أوعث مقاما، وأصعب مراما. وعندهم أن كل ما ينشأ بالليل من قراءة، أو تهجد، أو طروق، أو ترحل أشقّ على فاعله، وأصعب على مستعمله، لأن الليل موحش هائل، ومخوف محاذر. [فكل «٢»] ما وقع فيه مما أومأنا إليه كان كالنسيب له، والشبيه به.
ومن قرأ وطأ بالقصر فالمعنى فيه قريب من المعنى الأول. والمراد أن قيام الليل أشد وطأ عليك أي أصعب وأشق، كما يقول القائل : هذا الأمر شديد الوطأة علىّ. إذا وصف بلوغه منه وصعوبته عليه ومع أن عمل الليل أشد كلفة ومشقة فهو أقوم صلاة وقراءة، للمعنى الذي قدمنا ذكره.
وقوله سبحانه : إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلًا [٧] وهذه استعارة. والمراد بها المضطرب الواسع، والمجال الفاسح. وذلك مأخوذ من السباحة فى الماء، وهى الاضطراب فى غمراته، والتقلب فى جهاته. فكأنه سبحانه قال : إن لك فى النهار متصرفا ومتسعا، ومذهبا منفسحا، تقضى فيه أوطارك، وتبلغ آرابك.
[سورة المزمل (٧٣) : آية ١٧]
فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً (١٧)
وقوله سبحانه : فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً [١٧] وهذه استعارة. والمراد بها : أن الولدان الذين هم الأطفال لو جاز أن يشيبوا الرائع خطب،

(١) فى الأصل «السماء» وهو تحريف من الناسخ.
(٢) ليست بالأصل، ويبدو أنها مطموسة، وقد زدناها لأن النص يتطلبها.


الصفحة التالية
Icon