اعلم أنه ليس المراد من هذا القريب بالجهة والمكان، بل المراد منه القرب بالعلم والحفظ، فيحتاج ههنا إلى بيان مطلوبين :
المطلوب الأول : في بيان أن هذا القريب ليس قرباً بحسب المكان، ويدل عليه وجوه الأول : أنه لو كان في المكان مشاراً إليه بالحس لكان منقسماً، إذ يمتنع أن يكون في الصغر والحقارة مثل الجوهر الفرد.
ولو كان منقسماً لكانت ماهيته مفتقرة في تحققها إلى تحقق كل واحد من أجزائها المفروضة وجزء الشيء غيره، فلو كان في مكان لكان مفتقراً إلى غيره، والمفتقر إلى غيره ممكن لذاته ومحدث ومفتقر إلى الخالق، وذلك في حق الخالق القديم محال، فثبت أنه تعالى يمتنع أن يكون في المكان فلا يكون قربه بالمكان والثاني : أنه لو كان في المكان لكان إما أن يكون غير متناه عن جميع الجهات، أو غير متناه عن جهة دون جهة، أو كان متناهياً من كل الجوانب والأول : محال لأن البراهين القاطعة دلت على أن فرض بعد غير متناه محال والثاني : محال أيضاً لهذا الوجه، ولأنه لو كان أحد الجانبين متناهياً والآخر غير متناه لكانت حقيقة هذا الجانب المتناهي مخالفة في الماهية لحقيقة ذلك الجانب الذي هو غير متناه، فيلزم منه كونه تعالى مركباً من أجزاء مختلفة الطبائع والخصم لا يقول بذلك.


الصفحة التالية
Icon